الأحد، 30 أكتوبر 2016

طرابلس… رمانة الميزان الليبي

طرابلس… رمانة الميزان الليبي

د.جمعة أحمد عتيقة

Oct 29, 2016

لقراءة المشهد الليبي قراءة صحيحة ومحيطة لابد من الانطلاق من المقدمات التي أفرزت الواقع الحالي بما يشكله من غموض وتعقيد وارتباك.
فانتفاضة (2011) جاءت ضمن سياق ما سمي بـ«الربيع العربي» والذي صار اليوم ملفاً قابلاً لإعادة الفحص والتمحيص والاستكشاف.. تفجرت من ركام سنوات من القهر والحرمان وإهدار المقدرات والعبث السياسي، مثلت ما يسميه الفيلسوف نيتشه مكر التاريخ! وهي لحظة فارقة في تاريخ الشعوب تكون فيها على موعد مع أحداث كبرى في تاريخها لم يخطط لها أحد، ولم تنفذها قيادات ولم تكن لها رؤية أو برنامج، فجاءت مشحونة بالعواطف وملبية لرغبات مكبوتة مقموعة. وإذا اضفنا إلى ذلك أن نمط ونهج وسياقات نظام الحكم السابق كانت في طبيعتها وفردانيتها معادية وغير قادرة على بناء المؤسسات، كل ذلك ساهم في تشكيل ملامح المشهد الليبي اليوم.
وإذا وصلنا إلى ما آلت اليه الأمور اليوم من ارتباك وتشظ وانقسام وتغوّل للميليشيات المسلحة في طول البلاد وعرضها، فأننا نستطيع القول أن ليبيا صارت على مفترق الطرق وان كافة الاحتمالات المستقبلية واردة ومتصورة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ما يدور في المنطقة من خطط ومخططات لا نملك حتى الحد الأدنى لمواجهتها، إضافة إلى ان التشخيص موضوعي جاد للواقع الجيوسياسي الليبي كبلد حباه الله بثروة هائلة ومحاط بحزام من الدول محدودة الموارد وكثيرة السكان مقابل عدد سكان ضئيل ومساحات جغرافية شاسعة، أضف إلى ذلك ضعف النخب السياسية نتيجة للتصحر السياسي ومنع المشاركة السياسية طيلة عقود من الزمن.
قبل الحديث عما يجري في طرابلس علينا أن نقرّ بأن مرحلة ما بعد التوقيع على اتفاق «الصخيرات» وتشكيل المجلس الرئاسي الذي دخل طرابلس في بداية هذا العام وشهدت الساحة السياسية بعد اقرار الاتفاق انقسامات غير مسبوقة صارت تزداد حدة يوماً بعد يوم تحركها أطراف داخلية بعضها يسعى للمحافظة على الوضع الراهن خدمة لمصالحه الآنية والآخر مدفوع بأيديولوجية تسعى إلى تحقيق قناعاته في «التمكين!» الذي يعني الوصول إلى السلطة من خلال مشروعه الخاص، إضافة إلى الصراعات الإقليمية التي فاقمت حدة الاستقطاب والاصطفاف على حساب مشروع الاستقرار وبناء الدولة.

دور الأمم المتحدة...

ليس جديداً القول أن ليبيا ابن شرعي لمنظمة الأمم المتحدة، فهي التي رعت وتبنت مشروع دولة الاستقلال في ظروف بالغة الصعوبة والقسوة والتحدي فكان لمجهود المنظمة الأممية الفضل الأكبر في حصول ليبيا على استقلالها وانتزاعه من أنياب العوز والفاقة ومخططات الدول الكبرى لتقسيم غنائم الحرب العالمية الثانية. واليوم يعوّل الليبيون على دور الأمم المتحدة في خلق حالة توافق واتفاق سياسي وما زالت بعثة الأمم المتحدة لاعب رئيسي في إدارة الصراع ومحاولة الوصول إلى هذا التوافق. إلّا أنه لابد من ملاحظة أن الأمم المتحدة التي أوصلت ليبيا إلى الاستقلال هي تلك المنظمة الفتية التي ولدت من رحم حرب كونية طاحنة .. حيث ما زالت تسمع آهات الضحايا وصرخات المعذبين وكان تحقيق السلام وعلى كافة المستويات هو هاجسها وديدنها.
أما اليوم فقد تبدل الحال وصارت الأمم المتحدة تترنح بين العجز والارتباك والتبعية وهو ما انعكس على الحالة الليبية وربما فاقم الوضع الراهن.
نعود إلى طرابلس باعتبارها محور ومركز الحالة الليبية بابعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فطرابلس هي مركز ثقل الحركة الليبية منذ القدم. فرغم أن ليبيا لم تعرف فكرة الحكومة المركزية طويلاً عبر تاريخها، إلا أن طرابلس ظلت مركزاً تمدّ له الأطراف جسورها وخطوطها ولا تستطيع الاستغناء عنه. وإذا أضفنا ان التوليفة الديموغرافية لطرابلس هي بوتقة انصهرت فيها مكونات تشمل كل أنحاء ليبيا وتفاعلت ثم تشكلت فيما يسمى (الشخصية الفرعية) التي حملت ملامح الشخصية المستقرة المنفتحة البعيدة عن التعصب والذهنية الجهوية .. كل ذلك جعل المتصارعين اليوم يحاولون الاستحواذ عليها أو على الأقل التمترس خلف أسوارها .. وككل مناطق ليبيا وبدرجات متساوية، يشكل استقرار طرابلس اللبنة الرئيسية في تحقيق الاستقرار في ليبيا وإذا لم ينجح المجلس الرئاسي في ذلك فإن الاتفاق السياسي برمته قد يصبح مهدداً.
فقد جربنا بعد حرب (2014) وما يسمى بفجر ليبيا، كيف أن حكومة الثني المعترف بها دوليا آنذاك قد رحلت إلى الشرق الليبي، حيث فاقمت الانقسام ولم تستطع من موقعها خارج طرابلس ان تمارس أي فاعلية في الحكم والإدارة.
أتوقع ان تحدث بعض المواجهات في طرابلس بين الميليشيات المتصارعة ولكنها ستكون محدودة ومن قبيل الانتحار الذاتي، ولن تكون لها امتدادات الحرب في مدن الشرق وسيكون المنتصر بين هذه المجموعات المسلحة خاسرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق