وطني، إلى أين؟
بقلم / د. فاطمة الحمروش
بتاريخ 1/9/2010 وبإسم “الليبية” كتبت من المهجر مقالة بعنوان: “وطني، إلى أين؟”… اليوم، أعيد نشرها هنا، وبنفس العنوان… داعية لله في هذا الشهر الكريم أن ينير بصيرتنا لكي لا نستمر في تنفيذ ما يخطط لنا من دمار، ظنا منا بأننا نسير في الطريق الصحيح، ولنتذكّر كل ما ذكرته في هذه المقالة وبالتحديد في شهر رمضان الكريم منذ ثلاث سنوات…والله المستعان.
وطن أردناه علي حب العلا
فأبى سوي أن يستكين إلي الشقا
كالعبد يخشى بعدما أفني الصبا
يلهو به ساداتُه أن يُعتقا
أو كلما جاد الزمان بمصلح
في أهله قالوا: طغى وتزندقا..
فكأنما لم يكفِهم أن أخفقا
هذا جزاء ذوي النُهَى في أمَّة
أخذ الجمودُ على بنيها مَوْثِقا
وطن يضيق الحر ذرعا عنده
وتراه بالأحرار ذرعا أضيقا
ما إن رأيت أديباً موسراً
فيما رأيت ولا جهولا مُملقا
مشت الجهالةُ فيه تسحب ذيلَها
تيهاً وراح العِلم يمشي مُطرِقا
شعب كما شاء التخاذل والهوى
متفرقٌ ويكاد أن يتمزقا
لا يرتضي دين الإله موفِّقا
بين القلوب ويرتضيه مفرِّقاً
وقبيلة ما إن تزحزح أحمقاً
عنها حتي تُولِّي أحمقا! *
لا أحسب أن أحدا قد نسي مظاهر البذخ والفساد التي إتسمت بها الذكرى الأربعون للإنقلاب المشؤوم الذي وقع عام 69 في ليبيا، أو ما أثارته من سخط وغضب بلغ ذروته لدى عامة أبناء الشعب الليبي وبناته، ففاق حد الصبر وفاض. إلا أنه، ومع كل هذا، ها نحن نرى الذكرى الواحدة والأربعين تطل علينا ونرى أيضا أن لا شئ تغير، فالأمور لاتزال تسير كما هي، من سئ إلى أسوأ، ولم تحدث الإنتفاضة الشعبية المنتظرة، رغم أن فتيلها قد إشتعل في قلوب أبناء شعبنا المجاهد الصبور ولم تعد النار التي تضطرم في قلوبنا بخافية ونحن نرى أعزة قومنا أذلاء على يد سفاح ليبيا الأول، معمر أبومنيار القذافي، وحاشيته وأبنائه. هذا النظام لم يتغير، بل تمرّس وتفنن في أساليب المراوغة والمخادعة وازداد طغيانه وتسلّطه، وأخذته العزة بالإثم حتى أصبح يتباهى بممارسته للظلم جهارا.
ومن جهة أخرى، إذا نظرنا إلى التغيير الذي طرأ على الشعب الليبي خلال هذه المسيرة المخزية لهذا الحاكم الفاسق، فإنه لا يخفى على أحد أن تناسبا عكسيا مضطردا وواضحا يحدث للحالة الليبية بين علاقة الشعب والعائلة المالكة وحاشيتها. وقد يبدو هنا تعبير “العائلة المالكة” جديدا بعض الشئ ومتناقضا مع ما يرغب نظام القذافي أن يبدو عليه من شعارات مضحكة مثل “ليبيا الثورة” و”الشعب سيد الجميع” و”السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب”، إلا أنها هي الواقع المرير الذي نلمسه ويعيشه كل فرد ينتمي لهذا البلد المغدور به.
إننا شعب مغيّب بكامله عن صنع القرار، ومسلوب الإرادة، ومحكوم بالحديد والنار، فالوزارات في ليبيا يترأسها ويوجهها ويتحكم بها أبناء القذافي، وجميع القرارات المصيرية للدولة الليبية تصدر من قبلهم أو من قبل والدهم بدون أن يكون للشعب الليبي رأي أو قول في هذه القرارت، بل أن شعبنا في حالات كثيرة يُفاجأ بها وهي في حيّز التنفيذ، وبدون حتى أي دراية منه بصدورها. كذلك فإن عامة الشعب الليبي بالكاد يمكنهم أن يحصلوا على لقمة العيش، وما لا يقل عن ثلث تعداد ليبيا السكاني يعانون الفاقة ويعيشون تحت خط الفقر، ويكفي شاهدا على هذا الوضع المزري موائد الرحمن التي إزدادت ظاهرتها انتشارا في هذا الشهر الكريم في جميع مناطق ليبيا، ويحدث هذا بدون أن يندى للحاكم جبين، في بلد كما قال بنفسه، تملك فائضا من عائدات البترول لا يمكن للسوق الليبية إستيعابه! وليس من عذر أفضل من هذا لكي يبعثر به الثروة التي أنعم الله بها على شعبنا ويمنع عنه حقه، بل عميت بصيرته عن حالة البؤس والفقر المخزية التي آل إليها البلد وأهله من جراء سياساته التدميرية.
على أي حال، ليس فيما سردت هنا من جديد، وحقيقةً فإني لا أود تكرار نفس الإسطوانة المشروخة التي طالما رددناها جميعا ولم توصلنا إلى أهدافنا المنشودة إلى الآن، إن الشكوى والتذمر والبكاء على الأطلال لا توصل الشعوب إلى أبواب الحرية، كما أن استعطاف الغير لا يكسب صاحبه سوى المذلّة، وليس من الكرامة بأي شكل من الأشكال أن نستسلم للإحباط، فبطون أمهاتنا لم تعقر من أن تلد من يستلم زمام الأمور في ليبيا ويقودها وأهلها نحو بر الأمان.
لنترك جانبا الأربعين سنة الماضية ولننظر إلى ما حدث في هذه السنة الأخيرة،
السنة الواحدة والأربعين، ولنستخلص منها ما يمكننا إستخلاصه من عبر لكي
يمكننا تصوّر الطريق الذي يتجه إليه هذا الوطن، وقد بدأت أمور كثيرة تتضح
وتظهر جلية للعيان.
*********
حين حلّقت طائرات البحرية الإيطالية في سماء ليبيا مشاركة للقذافي في إحتفاله المشؤوم، صبغت سماء وطننا بالعلم الإيطالي، وقد إستنكر الكثير منا ذلك، ولكن نظام العقيد المريض لم ير في ذلك ما يمس شعبنا وسيادته، وبحجة إصرار الطيارين على إستخدام العلم الإيطالي وتهديدهم بعدم القيام باستعراضهم، إنحنت إرادة النظام البالي وخضعت لإرادة الضيوف، والمدفوع لهم من أموال الشعب الليبي مسبقا للقيام بهذا الإستعراض! ولا أجد في هذا السياق وصفا لذلك العذر سوى أنه عذر أقبح من الذنب، ولكن، لا يُلام الذئب في عدوانه، إن يكُ الراعي عدوا للغنم.
*********
وما علينا، لم يكفِ هذا بل تبعها مباشرة جرجرة إبن شيخ الشهداء عمر المختار إلى إيطاليا، وقد بلغ من العمر عتيَّا، ولم يكن ذلك إكراما له، بل كان أداة لكي يستخدمها القذافي لغرض في نفسه، ولم يكرّم هذا الرجل يوما في بلده، بل حتى ضريح والده، الذي كان علامة بارزة من علامات مدينة بنغازي، قد تم نقله من مكانه المعهود لعقود، إلى منطقة سلوق النائية بقرار فجائي لم يستشر فيه أحد، بمن فيهم هذا الإبن بذاته.
*********
وكأن هذا لم يكفِ، حيث قام القذافي في زيارته الشهيرة تلك لإيطاليا بعملين آخرين يندى لهما جبين كل مواطن شريف، أحدهما هو طريقة الإستقبال التي حظي بها من قبل الجالية اليهودية في إيطاليا والتي بدا فيها بوضوح كمن رجع إلى أهله، فلم يخفِ عواطفه الجياشة وظل في حضن سيدة بدت تقاطيعها مشابهة له بشكل لا يمكن أن تخطئه الأعين. هذا بالإضافة إلى إستقباله ل500 إمرأة تم إستئجارهن لكي يلقي عليهن “محاضرة”، ثم لتخرج كل واحدة منهن متأبطة مصحفا، ولم يوضح لهن أحد أن أي من نسائنا المسلمات لا يمكنهن أن يمسسنه إلا إن تطهّرن، إحتراما وإجلالاً لكلمات الله عز وجل، فما بالك بهؤلاء؟
*********
تبع هذا قُبلة برلوسكوني الشهيرة على يد القذافي! وقد إستنكرها الإيطاليون كما إستنكرها شعبنا الأبي لما بها من غرابة تدعو إلى الشك في دوافعها. ولا يخفى على أحد أنه رغم الغموض الذي لفَّ ذلك السلوك، إلا أن عملا كهذا من قبل رئيس وزراء لدولة لها سيادتها تجاه رئيس دولة أخرى يفتح الباب أمام الكثير من التكهّنات، كما أن ماضي الرجلين المشين والشبهات التي تحوم حولهما فيما يخص تحركاتهما الإرهابية تدفعنا إلى التساؤل عن الدافع الذي أدى ببرلوسكوني لكي يتخذ تلك الخطوة الجديدة في تعامله مع القذافي، وتدفعنا جميعا إلى السؤال: من هو معمر القذافي؟ وما وراءه؟
*********
وبقدر ما يشوب علاقة برلوسكوني مع القذافي من غموض، فإن تصريح ليبرمان بأن “ليبيا حليف موثوق به” شهر أغسطس 2010، بعد الإعلان عن إطلاق سراح رفائيل حداد، والصفقة التي جرت بين سيف القذافي والحكومة الإسرائيلية، هذا التصريح من أخطر الإعترافات التي يمكن لحكومة إسرائيل أن تعلن عنها، كما أن تصريحات من هذا النوع لا تأتي هكذا ببساطة وبدون أن تتم دراستها، بل على العكس، فقد أظهر القذافي ولعقود طوال عداءً ظاهرا للإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولا يمكن لعاقل أن يقتنع أن هذا التصريح قد صدر من ليبرمان بسبب تلك الصفقة أو بسبب إطلاق سراح حداد فقط!
*********
ومؤخراً، هذا الخبر الذي طالعنا بخصوص قرار وضع صورة برلوسكوني والقذافي على جوازات السفر الليبية، وبالطبع فإن قرارا مثل هذا لم تتم فيه إستشارة أي مواطن ليبي، بل جاء كقرار فردي من القذافي ليتم تنفيذه إبتداء من يوم الذكرى الواحدة والأربعين لنكسة ليبيا.
*********
وفي نهاية هذاالشهر، قام باستئجار دفعة جديدة من فتيات يعملن في وكالة للإيجار وخرجت من جديد كل واحدة منهن حاملة المصحف الكريم، ولم يراعِ في سلوكه هذا أبسط قواعد إحترام الأديان، ولا عجب، فالغرض لديه لم يكن أبدا لنصرة الدين الإسلامي بل لزيادة الشعور العدائي تجاه المسلمين في العالم، وبالفعل قد حقق غرضه وبامتياز.
*********
هذه الأحداث المتسارعة تعني أمراً واحدا: لقد حان موعد ظهور القذافي بوجهه الحقيقي، وحان الإعلان عن دوره الحقيقي الذي جاء إلى الحكم من أجله، وهذا يفسر كل ممارساته السابقة من إهدار لكل ما يجب ان يؤول إلى ليبيا، كما يدعونا إلى التفكير في سجل القذافي الماضي الحافل بالتناقضات والمفاجآت، بمنظور جديد.
علينا أن نرأف بأنفسنا، وهذه دعوة لإنصاف النضال الليبي في مواجهة النظام سواء بالداخل أو بالخارج، حيث أن المواجهة ليست ضد حاكم دكتاتوري ظالم فقط، بل ضد مصالح قوى شريرة مختبئة وراء هذا النظام وتدعمه، وفي هذا مدعاة لشعبنا لأن يفخر بكل ما قدمه أبناؤه من تضحيات، إن هذه الجهود لو كانت بمواجهة نظام آخر لا يتمتع بالحماية التي وراء القذافي لأطاحت به من سنين. ولكن لكل بداية نهاية، ونأمل من الله أن يعجِّل بنهاية هذا النظام، ولنأخذ العبرة من شيخ المجاهدين عمر المختار.
وأخيرا، لدي كلمة أود أن أوجهها إلى كل من رضي لنفسه بأن يظل أداة ومنشفة للقذافي وأبنائه، فيتلقى اللوم ويُحَمَّل مسؤولية ما يصدر من طرفهم من قرارات جائرة ومدمّرة لكل ما هو طيب وجميل في ليبيا، ويتلقّى الصفعات والإهانات: لماذا الخوف؟ إن خسارة الوظيفة أو حتى الإنتهاء في غياهب السجون بسبب رفض هذا العسف لهو أشرف وأكرم من الحال الذي نراهم به الآن، والذي أوصل شعب ليبيا بكامله إلى هذا الوضع الكارثي الذي يعيشه.
أختم كلامي بآية من آيات القرآن الكريم، داعية لله في
هذا الشهر المبارك بأن يزيد قلوبنا إيمانا ويهدينا إلى ما فيه صلاحنا وصلاح
الوطن. بسم الله الرحمن الرحيم،”ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون”
(الحجر56) صدق الله العظيم.
والله وحده المستعان.
الليبية
د. فاطمة الحمروش
Dr Fatima Hamroush
FRCS (Ed) Ophth, DO, MBBS
Dr Fatima Hamroush
FRCS (Ed) Ophth, DO, MBBS
* قصيدة وطن لإيليا أبي ماضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق