أجدادنا لم يطلبوا ثمنا ًلجهادهم وتخليص وطنهم من المستعمر
أجدادنا لم يطلبوا ثمنا ًلجهادهم
وتخليص وطنهم من المستعمر
بقلم / فتح الله سرقيوه
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ
أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)
(154). سورة البقرة
ويقول فى كتابه العزيز
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (103)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا)ً
بمجرد أن لاحت بوارج العدو
الإيطالى على شواطئنا فى أكتوبر سنة 1911م حتى نادى المنادى حى على الجهاد
وإذا بشيوخ وشباب ونساء الوطن يتحركون جميعهم فى فزعة لم يُعرف مثيل لها
فى تاريخ الجهاد الليبى ضد مستعمر جاء من أجل تغيير الهوية الليبية ونهب
خيرات الوطن مع العلم أن شعبنا الليبى كان على مدى قرون من الزمن تحت
إستعمار من نوع آخر لطالما رفع شعار الدين راية وإستغلالاً ولبس الطرابيش وأطلق اللحى حتى
الأرض شكلاً وليس مضموناً من أجل الهيمنة على شعوب المنطقة العربية بحجة
حماية المسلمين وهو فى الوقت نفسه مارس عليهم أبشع أنواع القهر والإذلال
إنه الإستعمار التركى الذى لازال يحلم بعودته مرة أخرى عن طريق ما تبقى من
مخلفاته البشرية فى الوطن العربى وخصوصاً فى وطننا ليبيا ..
لقد بدأ الشعب الليبى فى
تكوين (أدوار الجهاد) ضد المستعمر الإيطالى بقيادة شيخ الشهداء سيدى عمر
المختار ورفاقه حيث تم تنظيم القبائل فى أدوار جهادية وتم تعيين قيادات
لهذه الأدوار القتالية تحت إمرة شيخ الشهداء وبتعليمات تصدر منه فى حينها ،
وكان الملك إدريس السنوسى الرئيس الأعلى لحركة الجهاد فى ليبيا بعد السيد
أحمد الشريف ، وقد كانت حركة الجهاد تعتمد إعتماداً كلياً على دعم الليبيين
من خارج الوطن حيث يصل الدعم اللوجستى تباعاً عن طريق الصحراء المصرية
الليبية وبإشراف بعض القيادات المكلفة من قبل شيخ الجهاد عمر المختار
وبمساعدة أهلنا فى الصحراء الغربية المصرية وهو الموقف الوطنى لتلك القبائل
الذى لا يمكن أن نتنكّر له مهما طال الزمن فالوفاء من شيمنا والوفاء لأهل
الوفاء .
لقد كانت فترة الجهاد من
1911م وحتى 1931م حيث إستطاعت إيطاليا من خلال عملائها وعيونها أن تصل لشيخ
الجهاد وأن يُحكم بالإعدام فى تلك السنة حيث كانت سنة الحزن والألم وفقد
أعز الرجال الرمز للجهاد الذى لم يمل ولم يكل طوال عقدين من الزمن بالرغم
من أن العمر تقدم به إلى العقد السابع وتباً لدولة تقوم بإعدام الأبطال
والزعماء دون إحترام لنضالهم من أجل وطنهم .
لقد حاول الإيطاليون كثيراً
مع شيخ الشهداء ورفاقه لمحاولة إستمالتهم بالجاه والمال ، ولا ننسى مفاوضة
الطليان له بحضور بعض العملاء والخونة فى الجانب الإيطالى من بنى جلدة
المجاهدين ، فبعد أن طرح العدو المُغريات من أموال وجاه وما شابه ذلك ، قال
أحد العملاء لشيخنا المناضل (لقد درت يا بوالمختار) وهو يعنى بذلك أن
البقرة بدأت تدّر حليبها ويقصد الطليان وما يعرضونه من رشاوى فما كان من
شيخ الجهاد إلا أن يرد عليه بقوله (إحلبها أنت) أى البقرة إذا كثر حليبها
فأحلبها أنت أيها العميل الخائن ، رحم الله المختار ورفاقه الذين لم
يستكينوا ولم يُهادنوا ولم يستلموا ولم يتقاضوا من الأصدقاء أو الأعداء
رشاوى ولا هدايا كما فعل أشباه الثوار وأشباه السياسيين فى ثورة تخليص
ليبيا من النظام الدكتاتورى حيث كانوا فى زيارات مكوكية إلى قطر والإمارات
وفرنسا وبريطانيا لإستلام الهدايا والعملة الصعبة فشتان ما بين الثرى
والثريا وما بين الرجال العظام وأشباه الرجال .
بعدما إستقلت ليبيا كان
سيدى عمر المختار فى ذمة الله مع رفاقه الذين أستشهدوا معه بين الشهداء
والصديقين وقد بقى على قيد الحياة بضع من رفاقه ، فلم نسمع عنهم أنهم
طالبوا بحقوق أو تعويضات عن جهادهم الذى خاضوه من أجل نُصرة الدين والوطن
بل هناك من رفض ربط مرتب له بقيمة (45) دينار حتى لا يمد يده وقد تجاوز به
العمر فلم نسمع عنهم أنهم إمتشقوا سلاحهم وقاموا بمحاصرة وزارة أو مؤسسة من
أجل النهب أو التعويض غير المبرر حيث كانوا يرددون نحن قاتلنا من أجل
ديننا وطننا ولم نقاتل من أجل المكاسب والمناصب ، فهل يُقارن أولئك بهؤلاء
ممن نشاهدهم اليوم من ضعاف النفوس عسكريين وأشباه ثوار وسياسيين وتكنوقراط
جاءوا من أجل الغنائم ونهب أموال الشعب الليبى .
أجدادنا لا شك أنهم عند
ربهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فقد فازوا بالآخرة ونحسبهم عند الله شهداء
ففازوا بالدنيا بتاريخ مشرّف وصيت طيب ، أما من يتجمّلون علينا اليوم
بأنهم حرروا الوطن ، فنحن لا زلنا أحياء ونعرف من حرر ليبيا ومن جاهد سنوات
طوال من أجل محاربة الفساد والطغاة ، فهؤلاء من يدعون الكذب قد خسروا
الآخرة إلا من أستشهد على الجبهات وقد عقد العزم لتخليص وطنه من براثن نظام
هلك الزرع والنسل وفاز حقاً بالشهادة ومنهم من جُرح وجُرحه سيظل شاهداُ
على نيته فى الجهاد والدفاع عن أرضه وأهله ومنهم من فُقد غدراً وهو لا شك
أنه شهيد.
أما خسارة البعض فى الدنيا
فكانت ممن خرجوا من أجل الغنائم ونهب المدن والقرى وسبائك الذهب وأثاث
المنازل والسيارات وآليات الشركات وأموال المصارف (وهم الأخسرين أعمالا)
وهذا أمر ما أنزل الله به من سلطان فقد نالوا الخزى والعار فى الدنيا أمام
الله وأمام أهل الفريق كما يقال .. فالمجد والخلود لسيدى عمر المختار
ورفاقه الأبطال الذين سطّروا أروع صفحات فى النضال والدفاع عن الدين والوطن
والعزة والكرامة لمن أستشهدوا فى ثورة فبراير على جبهات القتال ،، والعار
كل العار لمن لا زالوا يقتحمون ويطوقون الوزارات وينهبون المؤسسات ويعطلون
مصالح الشعب من أشباه الثوار الطامعين الجهلة من أجل المال والكسب الحرام
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق