عمان
ـ «القدس العربي» من بسام البدارين: حجم «التمزيق» الاجتماعي والعشائري
الذي أفرزته نتائج الانتخابات الأخيرة في الأردن لا يمكن إنكاره، بالرغم من
الجانب التنموي الذي يرافق الحديث عن دور قانون الانتخاب الجديد في تعزيز
التنمية السياسية وعدم وجود «أدلة جوهرية» حول حصول تلاعب أو تدخل في مسار
الانتخابات.
التأخير الكبير وغير المبرر في إعلان النتائج الرسمية لفرز
صناديق الانتخاب قد يكون المتهم الرئيسي في إثارة «بلبلة اجتماعية» يبدو
أنها كانت متوقعة، ويتجه صانع القرار نحو مواجهتها أمنيا في الحالة الطارئة
ولاحقا احتوائها سياسيا عبر إرضاء العشائر التي تعتقد أنها خرجت بلا حمص
من مولد الانتخابات خصوصا ضمن تركيبة مجلس الأعيان.
لا يمكن تفسير ظاهرة
صعوبة هضم فكرة خسارة المرشحين في بعض الأوساط والأطراف الاجتماعية
والعشائرية، مما يدلل على أن الانتخابات في وجدان الكثير من المواطنين لا
تزال في إطار المحاصصة والتدخل، وعلى أن الذهنية الاجتماعية لا تقبل
الخسارة في الكثير من المواقع.
بعيدا عن احتجاجات الشارع وغلق الطرق
التي كانت متوقعة أصلا برزت حالات غير مألوفة أو غير مسبوقة من الاعتراض،
فمحتجون من عشائر دير علا في منطقة الأغوار تحشدوا في نقطة قريبة من الحدود
مع فلسطين، وظهر في شريط فيديو مثير للجدل صوت أحدهم وهو يتحدث عن نيته
ورفاقه الانضمام لإسرائيل بعدما خسر مرشحهم الانتخابات أو أعلنت خسارته.
في
مدينة الرمثا الحدودية بدا الاعتراض أكثر حساسية، فقد هدد بعض أبناء
عشيرتين هناك بالتنازل عن الجنسية الأردنية وقام بعضهم بتسليم المركز
الأمني بطاقات الأحوال المدنية.
في منطقة بدو الوسط التي ما زالت ملتهبة
عمليا، ولليوم الرابع على التوالي، يسود احتقان كبير جراء التردد في
القرارات الرسمية المتعلقة بالتعامل مع حادثة سرقة نادرة لصناديق الاقتراع
حصلت في وضح النهار وأمام رجال الأمن لعشرة صناديق انتخابية وتسببت بتعثر
العملية الانتخابية.
عندما أعلن رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات
الدكتور خالد كلالده أمام الشاشات عن سرقة الصناديق العشرة تحدث عن عقد
الانتخابات مجددا في تلك المنطقة وحدد موعدا للأمر هو اليوم السبت.
في
اليوم التالي اختلفت رواية الكلالده لمسار الأحداث وبرزت رواية جديدة
فكرتها «حساب بدون الصناديق المسروقة «، القرار الجديد أظهر ضعفا بالتنسيق
بين دوائر القرار وأحبط عشائر المنطقة التي تحشد ممثلون لها في موقف موحد
يطالب بإعادة عملية الانتخابات برمتها.
يبدو وكما علمت «القدس العربي» أن ما حصل في منطقة البادية الشمالية كان مثارا للتجاذب والانقسام بين مراكز قوى داخل أجهزة الدولة.
ومن
الواضح أن الكلالده تراجع عن روايته وقراره بالخصوص بعد اجتماع «ساخن جدا»
لأركان بارزين في الإدارة استمر أربع ساعات على أمل احتواء الموقف
المحتقن، خصوصا وأن ثلاثة من أبرز أقطاب الدولة ينتمون أصلا لعشائر المنطقة
وهم إضافة لوزير الداخلية سلامة حماد رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز ورئيس
الأركان الجنرال مشعل الزبن.
الملاسنات والنقاشات بين أبناء المنطقة
تؤشر على الأسماء الثلاثة لكن تراجع «المستقلة» عن قرار معلن لها سابقا
أصبح مدعاة لإظهار حصول تجاذب خلف الستارة خصوصا وأن المرشحة التي يعتقد
أنها أثارت الضجة وهي هند الفايز تتهم صراحة وزير الداخلية وتتحدث عن
محاولة قتلها.
أزمة البادية الوسطى قد لا تنتهي بسرعة ولا ينفع معها
الخيار الأمني، وفي الوقت الذي أثير النقاش الموتور بالسياق على خلفية
نتائج الانتخابات بدا أن مناطق عدة تشهد احتقانا لا بل أحداثا أمنية على
الخلفية نفسها حيث أحرقت أشجار وأعيدت زراعتها في مدينة السلط، وأطلق
الرصاص احتجاجا في معان، وحصلت مواجهات مع الدرك في مادبا، وأغلقت مناطق
أساسية في مدينة إربد شمالا.
حتى في مدينة الكرك جنوبي البلاد وصل الأمر
لحد أن شخصيات بارزة تتحدث علنا عن «تغييب مناطق وعشائر شمال الكرك» التي
لم يخرج منها ولا فائز في الانتخابات، الأمر الذي يعني أن تطبيقات قانون
الانتخاب الجديد كانت فعالة عندما تعلق الأمر باجتذاب الإخوان المسلمين،
لكنها أنتجت بالمقابل حساسيات مناطقية وعشائرية، خصوصا وأن انطباع أبناء
بعض العشائر يتكرس حول حصول مخالفات أو تجاوزات أدت لخسارة ممثليهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق