ثورة شعبية مقبلة في مصر
صحف عبرية
Sep 12, 2016
لا توجد قاعة أو مسرح لأعضاء فرقة «أولاد الشارع» المصرية. ومثل إسمهم فهم يقومون بالغناء في الشوارع، يتصورون بالهواتف الذكية وينشرون الافلام على اليو تيوب. لا توجد لديهم أدوات عزف خاصة باستثناء دف واحد صغير، لكن الكلمات تفعل الموسيقى ـ التي ليست محببة على آذان السيسي، عندما يغنون «سي سي أنت رئيسي». إنهم لا يقصدون مدح أفعال الرئيس، بل يطالبونه بالاعتزال. ومن اجل الاغضاب أكثر يستخدمون كلمة «إرحل»، الكلمة التي استخدمها المتظاهرون في المظاهرات الشعبية في العام 2011 ضد الرئيس حسني مبارك. إن هذا الغناء الشعبي يعتبر خطيراً، وقد اعتقل الستة في أيار بتهمة التحريض والمس بأمن الدولة والنية في اسقاط النظام وعدّ تجمعاً غير قانوني. هذه هي بنود اتهام خطيرة تترتب عليها فترات سجن طويلة. وقد تم إطلاق سراح أعضاء الفرقة بشروط وقيود، وهم ينتظرون قرار النيابة بحقهم.
إذا حُكموا بالسجن، لن يكون اعضاء الفرقة لوحدهم. حسب التقرير الذي نشرته
الشبكة العربية للمعلومات حول حقوق الانسان وحريات الاسرى في مصر البالغ
عددهم 106 آلاف شخص موزعين على 504 سجون ومعتقلات. أكثر من 60 ألفاً منهم،
كما يقول معدو التقرير، هم أسرى ومعتقلون سياسيون.
منذ الثورة ركزت
السلطات على بناء 19 سجناً جديداً، في أحدها سجن جماسا الذي استثمر فيه
أكثر من 95 مليون دولار، في الوقت الذي توقع فيه مصر على قرض يبلغ 12 مليار
دولار من صندوق النقد الدولي.
لكن هؤلاء الاسرى محظوظون نسبياً، حيث
أنهم معروفون ومسجلون وعائلاتهم تعرف = مكان اعتقالهم، خلافاً لـ 1250 ممن
اختفوا في أقبية السجون في مصر في السنوات الاخيرة ولا توجد أي تفاصيل
عنهم.
هذا الامر لا يعني أنهم ماتوا، بل أن الدولة لا تعطي تفاصيل حول
مكان وجودهم. هذا المعطى الفظيع دفع المجلس المصري لحقوق الانسان إلى تطوير
تطبيق جديد يسمح لمن اعتقل بأن يرسل رسائل حول ثلاثة اشخاص معتقلين، عن
مكان وجودهم، وبريد الكتروني بمعلومات مشابهة لمجلس حقوق الانسان. من اجل
منع اكتشاف التطبيق تم تمويهه كآلة حاسبة. حيث أن الشرطة الذين يفحصون
الهاتف المحمول لا يستطيعون ملاحظة أن المعتقل يبلغ اصدقاءه. بهذه الطريقة
يأمل نشطاء حقوق الانسان الوصول سريعاً الى المعتقل وارسال المحامي اليه أو
الوصول اليه وهو في المعتقل المحلي قبل نقله إلى السجن المركزي الاكبر
الذي ستختفي فيه آثاره.
لا توجد تحديدات واضحة في مصر لحقوق الانسان،
وكتاب القوانين حولها غامض، حيث يمكن اخفاءه تحت جلابية أمن الدولة. من هنا
فان الصراع حول حقوق الانسان لا يمكن أن يعتمد فقط على بنود القوانين
المرنة والتركيز فقط على منع الحاق الضرر الجسدي بمواطنين أو كم أفواه
الصحافيين والمثقفين. «حقوق الانسان هي مسألة ثقافية غائبة لدينا»، قال
للصحيفة نشيط حقوق الانسان في احدى الجمعيات الكبيرة في القاهرة، «الموضوع
واسع جداً ويشمل مكانة الولد والمرأة وحقوق الممتلكات وحرية التعبير، حيث
أنه ينتظرنا عمل طوال الحياة. في كل مكان تنظر اليه تجد اخلالاً بحقوق
الانسان».
9 من كل 10 نساء.
قدم
البرلمان المصري مؤخراً مثالاً لجوانب اخرى للاخلال بحقوق الانسان. في
نقاش حول تشديد العقوبة ضد الختان للنساء، هاجم عضو البرلمان الهامي عجينة
المبادرين للقانون وزعم أن «من الواجب ختان النساء من اجل كبح الضعف الجنسي
لدى الرجال». وتفسيراً لذلك أضاف عجينة: «الرجال في مصر يعانون من ارتفاع
الشهوة الجنسية، والدولة هي من أكثر الدول المستوردة للإثارة.
نستطيع القضاء على ختان النساء فقط عندما يكون الرجال أقوياء بما يكفي ويمكنهم السيطرة على غرائزهم».
لا
حاجة إلى الجدال مع المنطق المشوه، الأمر الذي أثار موجة في وسائل الاعلام
وأدى إلى استدعاء عضو البرلمان للجنة الاخلاق التابعة للبرلمان. ولكن يبدو
أنه قد عبر عن النظرة السائدة. حسب تقديرات منظمات حقوق الانسان فان 9 من
كل 10 نساء في مصر يتعرضن للختان. وحسب تقديرات اخرى حدث انخفاض في عدد
عمليات الختان في السنوات الاخيرة. والآن هناك 70 في المئة من النساء
يتعرضن لذلك.
مصطلح «عملية جراحية» يجب التعامل معه بحذر شديد، حيث أن
العملية الجراحية تتم أحياناً بأدوات بيتية وبدون رعاية طبية وفي ظل غياب
الشروط الصحية والنظافة، الامر الذي قد يتسبب بموت الفتيات في حالات كثيرة.
صحيح أن جمعيات نسوية كثيرة تعمل في مصر وتحاول تثقيف الجمهور ومنع
الختان، لكن يبدو أن من الاسهل محاولة اسقاط النظام من القضاء على هذا
الارث المتجذر.
وها هو عمل شيطاني في الاسبوع الذي التهب فيه النقاش الجماهيري بالشبق
الرجولي حيث طلب من النحات المشهور وجيه ياني «تصليح» تمثاله الكبير «أم
المقدس المعذب» الذي وضع في سوهاج في جنوب مصر. التمثال هو لجندي له شارب
ويعانق امرأة بملابس تقليدية، حيث احدى يديه توجد تحت صدرها وكأنها تسندها.
وعند الكشف عن التمثال حدثت صرخة مدوية بين ضفتي النيل. التمثال يظهر كأنه
تحرش جنسي. وقد احتج المواطنون الذين شاهدوه: «الطريقة التي يمسك بها
الجندي المرأة لا تشير إلى نية الدفاع عنها، هذا يبدو مثل الاغتصاب»، ردت
على ذلك النحاتة عزة عبد المنعم. «المرأة تلبس الملابس المحافظة وتبدو
ضعيفة وكأنها بحاجة دائمة إلى المساعدة. اذا كان تمثيل مصر هكذا، فهذا هو
تمثيل كاذب»، أضافت عبد المنعم، التي اشتكت قبل سنة على المسؤول عنها، وزير
الثقافة، الذي استخف بجسدها.
هذه الردود والانتقادات في الشبكات الاجتماعية، التي قارنت بين التمثال
وبين المشهد المعروف من فيلم «تايتانيك» دفعت حاكم مقاطعة سوهاج إلى الطلب
من النحات ياني تغيير التمثال بشكل يلائم مشاعر المواطنين. التمثال لا يجب
أن يعكس الحقيقة، ويمكنه أن يعكس الخديعة. واذا استمرت نساء مصر في التعرض
للختان والسقوط ضحية للتحرش الجنسي في الشارع وعدم الحصول على تمثيل في
البرلمان، فانهن على الاقل يستطعن الاستفادة من التماثيل التي تصفهن كبطلات
حاملات للحلم القومي. مطلوب فقط أن نتذكر أن الاحتجاج ضد التمثال قام به
الرجال الذين أُهينوا لأن أحداً ما قد يفهم بأنهم يتحرشون بالنساء.
الجاليات التي تحاول الحصول على حقوقها تشمل المسيحيين والاقباط، حيث سن
في الاسبوع الماضي قانون يسهل بناء الكنائس. وقد بادر إلى القانون الرئيس
السيسي بعد سلسلة من المواجهات العنيفة بين المسيحيين والمسلمين وخصوصاً في
القرى الجنوبية من البلاد التي أحرقت فيها منازل الاقباط. وشددت السلطات
على تعريف القانون الجديد بمفاهيم دراماتيكية مثل «انعطافة تاريخية»، حيث
أنه يأتي بعد سنوات طويلة من منع بناء الكنائس الجديدة.
لكن القانون الجديد يمنح النظام الادوات الكافية لمنع بناء كنيسة. مثلاً،
حكام المحافظات هم الذين سيمنحون الاذن النهائي للبناء، بناء على عدد
السكان المسيحيين الذين يعيشون في المدينة أو القرية التي يريدون بناء
الكنيسة فيها. والمشكلة هي أن الحكام بشكل خاص والحكومة بشكل عام لا ينشرون
عدد السكان المسيحيين في الدولة ككل أو في المحافظات. وبدون معطيات دقيقة
يستطيع كل حاكم أن يقول إنه لا يوجد عدد كاف من المسيحيين في المنطقة
المعينة ولا توجد طريقة لدحض اقواله. لدى الجاليات المسيحية معطيات دقيقة
حول عدد المسيحيين الذين يعيشون في كل مدينة وقرية، لكن قياداتها تفضل عدم
التصادم مع السلطات من اجل منع الاعتداءات. هذه السياسة تثير الخلاف الكبير
بين الجيل القبطي الشاب الذي يريد تدخل الشرطة في كل حادثة اعتداء وبين
القيادة المحافظة التي تسعى إلى ضبط النفس وتجاهل الاعتداءات.
حسب
الحكمة المتعارف عليها، يمكن اختبار استقرار ومكانة مصر بناء على معايير
اقتصادية وعسكرية، واختبار قدرة الحكومة على اعادة الديون واجراء الاصلاحات
الاقتصادية ومحاربة الارهاب والتأثير على الخطوات السياسية. هذه بدون شك
وسائل هامة وضرورية، ولكن بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011 لم يعد
بالامكان الاكتفاء بذلك، أغاني الشارع، التماثيل المسيئة، التطبيقات ضد
الاعتقالات أو الاحتجاج على الاعتداءات ضد المسيحيين ـ هذه مظاهر ومتغيرات
نتجت عن تلك الثورة. ويمكن أن تكون اعراض للاحتجاج المقبل.
تسفي برئيلهآرتس 11/9/2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق