الأربعاء، 12 أغسطس 2015

فلسفة السعادة ... بقلم الكاتبة الليبية سعاد الورفلي



فلسفة السعادة

سعاد الورفلي

 القدس العربى ...

على كل حال… سيظل مفهوم السعادة معلقا في الأذهان كلما وصلت ازداد اتساعا ذلك المكان وكثرت الطموحات، عليه فإن السعادة لها مكامن عديدة في قلب كل إنسان.

فهناك من يرى السعادة في حصوله على مبتغاه، ولكن إذا تحصل عليه ووصل إليه وسادت نفسه وتمكنت وشعر بالانتشاء… فهل ذلك مطلق السعادة؟ هل السعادة لها حدود محصورة تقف عندها بمجرد حصول الإنسان على بغيته؟ هل السعادة أن تلتذ بمرغوبك وعند الانتشاء تسعى لطلبها مرة أخرى؟ إذا كان الأمر كلما نقص المرغوب سعى في طلبه فهذا لا يدل على أنك تعيش حياة السعادة، لأن الأمر إذا ظل بين عطاء وسلب، فالحياة آلت إلى قلق وخوف وتردد.. قلق وخوف على نفاد مصدر السعادة.. وعدم استقرار حتى الحصول عليها وإذا ما تم الأمر بدأ طريق المخاوف والهواجس ينتاب نفس ذلك الذي يرى في حصوله على سعادته السلب والقهر وسرقة سعادته. 

إذن مفهوم السعادة : إنها مصدر روحي لا ينفد ولا يقلق عليه إذا كانت نفس الإنسان مليئة بالرضا والقناعة، إن ما بعد الحصول النفاد، وما بعد الأخذ السلب، وما بعد الحياة الموت.

وقد عرضت في هذا الموضوع السهل الممتنع الكثير من الأبحاث والدراسات والآراء، كلها تتناول مفهوم السعادة، لكنها تقف عند الوصول لفهم حقيقته.. فلا يشبع البحث فيه معنى بعينه يجعل الباحث يتنهد فرحا بوصوله حتى مستقر السعادة، فنراه يمخض ويلخص ويخرج الزبد، وسرعان ما يتلاشى من بين يديه ذاك المفعول الذي يشعره بأنه وصل لمبتغاه حتى يبدأ في التقليب والتمحيص من جديد. 

والناس في هذا الشأن مختلفون حسب آرائهم وأفكارهم البسيطة… فكل يرى السعادة من منظوره الخاص وواقعه المعاش، فهناك من يراها كمال الصحة ووفرتها.. وهناك من يرى حصوله على أمنيته وطموحه، وحينما تقلب دفتر أمانيه ستلقى أشياء صغيرة أمام مفهوم السعادة المفعم : بيت ـ سيارة – زوجة جميلة. وحينما تذكره بالمنغصات سيمتعض قليلا ثم سيعود ليكرر، بيت سيارة زوجة جميلة.

أما الفلاسفة فذلك شأن آخر، فقد توغلوا في مفهوم السعادة حتى تاهوا في دوائرها وعادوا يتصورونها في تلك المتاهة غير المفهومة، ولا تتحقق إلا إذا زاد الجد والسعي الحثيث خلف دوائرها المتقلبة. أفلاطون فيلسوف يوناني يرى أنه إذا لم تكن السعادة انسجاما في الأهداف؛ فإنه لا يمكن تقديم تفسير معقول لها… كما يفترض كغيره من الفلاسفة أن مجمل المسألة تتعلق في هداية الناس. يعني الاهتداء من الشكوك التي نواجهها… حينما نفكر ونحدد أهدافنا ورغباتنا المتنوعة والمتضارية ـ أحيانا. فإذا كان هناك تعيين متضارب للأهداف لا يمكن أن نصل للسعادة أو نحدد طبيعتها. أما جورجياس، كما جاء في كتاب «السعادة» لنيكولاس وايت «أن السعادة هي الحصول على أي شيء نريده!».

وقد تضارب الفلاسفة ولم يتفقوا كثيرا على تفسير معين، وناقضوا بعضهم، فأفلاطون يخالف جورجياس، ويرى من العبث أن تكمن السعادة في حصولنا على كل شيء نريده، يقول أفلاطون حسبما جاء في كتاب «السعادة»: «من الأفضل أن نبقى ساكنين قدر الإمكان في حالة من الهدوء، لا نغضب ولا نندم، لأننا لا يمكن أن نعرف ما يكون في الحقيقة، خيرا أو شرا في هذه الأشياء وليس هناك شيء في الحياة الفانية يستحق الانشغال به بدرجة كبيرة».

لو اطلع الباحثون والقراء على حد سواء وقرأوا ما صنفه الفلاسفة قديما وعبر العصور الإسلامية، وحتى عصرنا الحالي، لوجدوا أن الجميع قد توغلوا في ماهية السعادة؛ غير أنهم لم يهتدوا إلى حقيقتها بعد.. أما ما أشار إليه أفلاطون في قوله أن نبقى ساكنين ـ حالة من الهدوء ـ لا نغضب ولا نندم ـ لا نعرف ما في الأمور خيرا أم شرا ـ وليس ثمة ما يستحق ـ في الحياة الفانية ـ لا تنشغل هذه المترادفات تبين للمتخصصين في علم التنمية وتطوير الذات، أن الإنسان من الأفضل له أن يكون هادئا.. لا يتعجل الأمور الاسترخاء والتفهم للمشاكل جزء كبير من حل أغلب مشاكلنا. 

أما علماء الدين والفقهاء فإنهم يرون السعادة تكمن في الرضا والتسليم، كما عند بعض المتصوفة المعتدلين، فما تقدموا به من كتب ألفوها يرون أن الإنسان يبلغ أقصى درجات السعادة حينما يتخلى قلبه عن الدنيا، ويتحلى بالصبر والرضا والتسليم. إذن خلو الإنسان من الشهوات والرغبات والمستحبات، وكل ما في الحياة من لذائذ هو طريق السعادة الحقيقي… 

أما المشغول بالدنيا فإنه يخرج منها كما لم يكن فيها.. فلا يملأ جوف الإنسان النهم سوى التراب.. فهو إن امتلك المال يريد المزيد، وإن تزوج واحدة يريد ثانية.. وإن رضي بواحدة يظل همه معلقا بكمالها ولا يكون راضيا في كثير من جوانب حياته، فكلما أكمل ركنا انبرت أركانٌ أخرى تريد الإشباع ولا إشباع، فكأن الإنسان في رحلة مغالبة لنفس لا تشبع من دنيا كلما وصلت وجدت سرابا لتتخلص إلى سراب آخر يزيدها عطشا على عطشها. 

السعادة ليست بالامتلاك.. ولا بالحصول ولا الوصول… إن السعادة هي استشعار عميق بالقناعة والرضا.. في حياة الدنيا ستجد الإنسان الذي يعاني من مرض ما وهمه أن يشفيه الله.. فلا همه مال ولا دار ولكن شفاء البدن… وقد تجده يشعر بشيء غريب يملأ قلبه حينما يرضى بما قسمه الله له. 

وتجد الصحيح المعافى.. يتقلب في النعيم..غير أنه سرعان ما تجده في حالة انفراد به يشتكي ويبكي ويخبرك بقلبه المهموم المكروب رغم توفر الوسائل، ورغم الصحة والعافية.. يكاد أن يصّعد في السماء.. تقف حائرا بين هاتين المفارقتين.. بين هذا وذاك.. وتستنتج أنه لم تكن يوما السعادة فيما يقع بين أيدينا.. ولا في شهرتنا.. ولا في توفر كل ما نريده. 

السعادة جوهر مليء بالحب.. الحب هو ذلك الفيض الذي يغمر قلوبنا فيحيل ما فيها من تعاسة إلى سعادة وما فيه من قفر إلى جنة وما فيها من جفاف إلى ينابيع تسترسل في العطاء ولا تبخل.. السعادة قبس من نور التسليم لله في هذه الحياة وحب الحياة من أجل أن نعطي ونقدم ونضحي ونحب. السعادة جوهر يمتلئ بالخير، يفرغ مما سواه.. 

السعادة هي سلامة القلب.. وسلامة من حوله مما يتسرب من تلك الشقوق النفسية حينما تتلبد فيها غيوم الحياة.

ستبقى السعادة تلك الغاية التي ننشدها ودائما ما نحلم بها إلا أنها تظل راسخة في قلب يحب بلا منغصات.. حينما لا ينشغل بالفانية.

كاتبة ليبية
سعاد الورفلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق