الأربعاء، 5 أغسطس 2015

عن فيديو ضرب الساعدي القذافي



عن فيديو ضرب الساعدي القذافي

رأي القدس


في عصر هيمنة الصورة، يتذكر ملايين العرب ذلك الفيلم المرعب لصدام حسين وهو ذاهب إلى المشنقة، ويسترجعون ملامح صلابته وقوة إرادته أمام جلاديه، فتتكرّس، في لحظة، الصورة الأيقونية للشخص وتمحو، للأبد، آلاف الوقائع التي رزح تحتها العراق أثناء حكمه، وبذلك ينتصر الضعيف المخذول الذي كان صاحب جبروت لا يوصف، وتنحط تاريخيا قيمة آسريه، في مفارقة تاريخية لا تنسى.

مناسبة هذا الحديث تداول وسائل التواصل الاجتماعي شريط فيديو يظهر الساعدي، إبن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، يتعرض للضرب على وجهه خلال استجواب يقوم به حراسه، كما أظهر الشريط تقييد قدميه أثناء التحقيق.

تعتقل حكومة طرابلس الساعدي، المتهم، إضافة إلى جرائم أخرى، بقتل لاعب كرة قدم حين كان رئيسا للاتحاد الليبي للعبة، بينما تحتجز مجموعة من قبائل الزنتان أخاه سيف الإسلام الذي حكم عليه غيابيا، مع ثمانية مسؤولين آخرين، بالإعدام، في محاكمة شابها، كما قالت الأمم المتحدة، «عوار قانوني».

رغم جوّ الاحتراب الكبير بين حكومتي طرابلس وطبرق، فإنه لا يوجد ما يثبت أن أيّا من الحكومتين تلتزم بمعايير حقوق الإنسان العالمية، وهو أمر قد يبدو نافلاً في الوقت الذي لا يضمن أحد فيه، بمن فيهم كبار مسؤولي الحكومتين، أن لا يتعرضوا للإهانة والإذلال، كما حصل لرئيس حكومة طبرق مع جنود خليفة حفتر، أو لرئيس برلمان طرابلس مع قائد ميليشيا استجوبه وصوّر اهانته له وابتزازه.

تتمتع إحدى الحكومتين (طبرق) بصفة «الحكومة المعترف بها دولياً»، لكن هذه الصفة غير قابلة للتصديق في الواقع، كما تؤكد المفاوضات الجارية في الجزائر والمغرب أننا نتحدث عن طرفين سياسيين (تتراكب عليهما انقسامات مناطقية وقبائلية)، أكثر مما نتحدث عن حكومة وبرلمان شرعيين مقابل متمرّدين «إرهابيين»، كما كانت سرديّة حكومة طبرق وحلفائها الإقليميين تردد، وتتمنى للعالم أن يسمعها ويصادق على أقوالها فيسلّحها ويؤيد حربها الاستئصالية ضد الحكومة الأخرى لينتهي الصراع بترئيس خليفة حفتر، وهي المعادلة التي تعتقد قوى إقليمية عربية أنها كافية لوأد ما أطلقته ثورة 17 فبراير /شباط الليبية من أحلام بالتخلص من حلف الاستبداد والفساد.

كنّا نتمنى أن نشهد تنافساً بين الحكومتين على تنمية المدن واحترام القوانين (أو حتى احترام الشرع الدينية والأعراف الأخلاقية) والتنازع على محبة سكان المناطق التي تسيطر الحكومتان عليها، ولكن ما نراه هو تنافس في ازدراء الأسس الدينية، على يد منادين بإعلاء شأن الدين، وانتهاك الحقوق القانونية، على أيدي «الليبراليين» من المنادين بإعلاء شؤون القانون.

ما يقوله شريط الفيديو هو إن اعتبار الانتقام أهم من العدالة هو المقدمة لبدء دورة جديدة من القهر والتسلط والغلبة، وهي صفات الدكتاتور التي ثار الثوار الليبيون ضدها، وأن التخلص من المستبد (إذا لم تكن هناك ضوابط قانونية وأخلاقية كبرى تحكم العلاقة بين الحكام الجدد ومحكوميهم) لن ينهي الاستبداد بل سيعيده على أيدي الضحايا السابقين.

بتصوير الساعدي وهو يخضع للإذلال، يفترض الثوار «السابقون» أنهم يوصلون «رسالة» ما لخصومهم، لكن الرسالة التي ستصل إلى البشر هي التعاطف مع شخص لا يملك الآن من أمر حريته شيئا بعد أن كان أحد المستفيدين في نظام شرس وفاسد وقاس في الماضي، ولعلّ التعاطف يزداد لأنه كان ذلك الطاغية الفاسد الصغير الذي انقلب الزمان عليه فأصبح يتلقى الصفعات من حراس لا يعرفهم أحد. 

الانتقام من شخص سجين، حتى لو كان مجرماً، هو اعتداء على إنسانيته، يعلي من شأنه ويقلل من شأن المنتقمين ويضائل من مصداقيتهم.

العدالة، وليس الانتقام، هي ما يحرّك الثورات، ويحفظها من الشرّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق