مبادرة استئناف الشرعية الدستورية
نحو خارطة طريق جديدة
بقلم / د . يونس فنوش
تحدثت في مقالة سابقة عن قناعتي التامة بأننا وصلنا في مسيرتنا نحو بناء الدولة إلى طريق مسدود، بسبب النتيجة الرديئة التي أوصلتنا إليها انتخابات المؤتمر الوطني؛ إذ أفرزت لنا جسماً تبين منذ الوهلة الأولى أنه لا يرقى مطلقا إلى مستوى الطموح والتوقع، من حيث أهلية وكفاءة الأعضاء الذين انتخبوا فيه، ومن حيث المعطيات التي أخذت تتحكم في سير عمله ومدى قدرته على إنجاز ما كان عليه أن ينجزه، وربما يأتي في مقدمة ذلك تلك التركة التي ورثها المؤتمر من المجلس الانتقالي، متمثلة في الإعلان الدستوري، وما ورطتنا فيه المادة الثلاثون منه، بنصها الأصلي، ثم بالتعديلات التي أدخلت عليه، فيما يتعلق بالهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.
وعلى الرغم من أننا قاومنا بشدة مختلف الانتقادات التي صارت توجه للمؤتمر ومستوى أدائه، وتطالب بإسقاطه وسحب الشرعية منه، لأننا نؤمن بحاجتنا إلى الاستناد إلى كيان يمتلك الشرعية الحقيقية، المستمدة من إرادة الشعب، عبر الانتخابات الحرة، إلا أن المؤتمر الوطني، أخذ يزداد تخبطاً وارتباكاً وتدنيا في مستوى الأداء والإنجاز، حتى بات يفرض علينا فرضاً أن نفقد الثقة فيه، وفي قدرته على تحمل مسؤوليته في وضع بعض الأسس لبناء الدولة، والتقدم في مسيرتها نحو الاستقرار بخطى ملموسة واضحة.
وقد قلت إننا خلصنا من هذه الملاحظة إلى أن مواصلة السير في هذه الطريق، وفق الخارطة التي ورطنا فيها المجلس الانتقالي في الإعلان الدستوري، لن يؤدي بنا إلى أي نتيجة، وأن علينا أن نتوقف عن السير، لنبحث عن طريق جديدة، ربما نراهن على أنها كفيلة بأن تقودنا إلى أفق مفتوح، نحو التمكن من ترتيب أوضاعنا وأولوياتنا بما يتيح لنا معالجة مختلف العلل التي أصابت جسدنا السياسي، وتبين ملامح خارطة طريق جديدة، تقودنا إلى التوافق حول دستور دائم للبلاد، نؤسس بناء عليه دولتنا المدنية الديمقراطية.
ثم قلت إن الحوارات التي أخذت تدور في الساحة السياسية بين المهتمين والكتاب والنشطين السياسيين انتهت إلى نضج القناعة بهذه الحاجة إلى البحث عن خارطة طريق جديدة، ثم انتهت إلى بروز فكرة أن العودة إلى استئناف الشرعية الدستورية قد تصلح لأن تكون الخطوة الأولى في هذه الخارطة. فطُرِحت مبادرة تحت عنوان (المبادرة الوطنية لعودة الشرعية الدستورية).. أخذت تدور حولها الحوارات والنقاشات، وتبرز نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف، ولكن في إطار القناعة المشتركة لدى الجميع بأننا بالفعل قد انتهينا إلى أزمة سياسية بالغة الصعوبة والتعقيد، وأننا نعيش مأزقاً تاريخياً، ينبغي أن نفعل ما بوسعنا لإبداع مخارج منه، وحلول له.
وقد تبين لدي من خلال الحوارات التي جرت ولا تزال تجري حول المبادرة، أن كثيرين يحسبون أن المبادرة هي مجرد دعوة سطحية للعودة إلى تبني النظام الملكي، أو إعادة الأسرة السنوسية إلى الحكم.. وقد حاولنا أن نوضح أن الأمر ليس كذلك.. فالفكرة في جوهرها تنبني على فكرة اتخاذ دستور الدولة الذي كان نافذا في 31 أغسطس 1969، نقطة انطلاق أولى في مسيرة جديدة، نحاول فيها أن نضع لأنفسنا خارطة طريق أفضل من تلك التي وضعها لنا المجلس الانتقالي. نعيد فيها ترتيب أولوياتنا، ونجدد اختياراتنا فيما يتعلق بالمؤسسة التي نخولها أمانة قيادة هذه المسيرة في مرحلة انتقالية ثانية، نتفق مسبقاً على وضع سقف زمني لهالا يتجاوز أربع سنوات على سبيل المثال.
وأحسب أنه لن يكون صعباً علينا أن نخلص من مجمل الحوارات التي تدور حول المسألة إلى توافق حول ملامح خارطة الطريق الجديدة، التي نراهن عليها لقيادتنا إلى هدفنا المبتغى، وهو صياغة دستور دائم للبلاد، يكون ثمرة توافق وطني شامل ومدروس، ثم بناء مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية وفق ما ينص عليه الدستور بعد قبوله من الشعب في استفتاء عام.
وفي هذا الصدد سأتحمل مسؤولية المبادرة بطرح خارطة طريق، أرجو أن يتم حولها النقاش والحوار وتبادل الرأي، حتى نتفق، أو يتفق المؤيدون لها على الأقل، على صياغة لها تكون مقبولة لدى الأغلبية، وربما نتمكن بعد ذلك من تعميمها على سائر المواطنين، وحشد الدعم والتأييد لها، كي نقدمها مقترحاً متكاملاً جاهزاً للمؤتمر الوطني العام، كي يأخذ بخصوصها الخطوات التنفيذية اللازمة.
المبادرة الوطنية
لعودة الشرعية الدستورية
ــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق