الخميس، 1 مايو 2014

المرضى الليبيين ومُلتقى مارمرقس مرة أخرى ليتذكر أولى الألباب.

 المرضى الليبيين

ومُلتقى  مارمرقس مرة أخرى

 ليتذكر أولى الألباب.


1/5/2014
فتح الله 1
مهندس / فتح الله سرقيوه


بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله تعالى فى كتابه العزيز فى

سورة المائدة (82)



(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)



صدق الله العظيم .


مرقس (بالسين) أو مرقص (بالصاد ) أو (سان ماركو) كما يطلق عليه فى الفاتيكان مركز الديانه المسيحية ، هذا الإسم ليس غريباً علينا فى ليبيا وخصوصاً فى منطقة الجبل الأخضر وتحديداً منطقة (الأثرون) السياحية حيث يقع وادى مرقس الشهير بأشجاره المثمرة وعيون المياه العذبة وجمال الطبيعة التى لا يضاهيها جمالاً فى تلك المنطقة ، وليس من شاهد بأم عينه كمن سمع أو قرأ ، فعندما تدخل ذلك الوادى تشعر بالطبيعة الخلابة من حولك وتشتم رائحة أشجار العرعار والبطوم والكليل والشيح وتشاهد أشجار العنب والرمان والموز والنخيل والخروب من على يمينك وشمالك حيث تصادفك فى منتصف الوادى عين مياه تسمى (عين العسل) وهكذا كلما تعمقت فى الوادى إرتفاعاً تلاقيك عيون المياه وهى تنضح من الجبل وكأنك فى جنان الأرض والطيور التى تعشش فوق اشجار البطوم والعرعار لا تفارقك وكأنها تحرسك أو تراقبك فربما تعرف وجهتك ونقطة وصولك فى أعلى الوادى حيث كهف مرقس ذلك القديس الذى حطت به الأقدار فى أعلى ذلك الوادى هارباً ومحافظاً على دينه من بطش الرومان الذين كانوا يطاردونه للتنكيل به والقضاء عليه .

ولكن قدرة الله تعالى عظيمة فقد حماه ذلك الوادى من الظالمين ليقيم داخل كهف وبجواره عين ماء ، هكذا تقول المصادر التاريخية حيث جاءت فى بعض الكتب ،غير أن هناك بعض الإختلاف بين ما جاء فى كتب المؤرخين العرب المسلمين وبين ما جاء فى كتب المؤرخين المسيحيين ولكن كلهم أجمعوا أن (مرقس) هو أحد أتباع السيد المسيح .

وهو أحد الإنجيليين الأربعه ولم يكن من الإثنى عشر تلميذا ًوأصله يهودى من سكان الخمس مدن الغربية ... هاجر والده أرسطو بولس إلى فلسطين موطن أجدادهم وسكنا أورشاليم (القدس) فى وقت ظهور السيد المسيح ، ورافق مار مرقس بولس الرسول وبرنابا (خاله) إلى أنطاكية سنة 45 م وذهب معهم إلى قبرص ثم إلى بعض جهات أسيا الصغرى ولما جاءوا إلى برجة بمفيليه تركهما هناك وعاد إلى أورشاليم ، وقد ذهب مرة ثانية مع خاله برنابا إلى قبرص وهناك إفترقا فقصد مار مرقس شمالى إفريقيا وحده حيث بشّر الخمس مدن الغربية سنة 52 م ثم غادرها إلى الأسكندرية سنة 60 م وأخذ يبشر فيها بالمسيح.

هذه نبذة مختصرة عن القديس (مرقس) حيث تؤكد المصادر التاريخية أنه كان فى منطقة الجبل الأخضر منذ ما يقرب من (2000) سنة بمنطقة الأثرون (بوادى مرقس) الذى سميى بإسمه ، وقد قمت شخصياً أكثر من مرة بزيارة ذلك الوادى حيث كانت معظم زيارات الطلبة الترفيهية فى الخمسينيات والستينيات فى تلك المنطقة السياحية الجميله وإننى أذكر أن زيارتى الأخيره لذلك الوادى كانت مع بعض الزملاء المتخصصين فى مجال دراسة العيون المائية بالمنطقة حيث تمكنت خلالها من أخذ بعض الصور لكهف مرقس وعين المياه المجاورة للكهف والتى أرفقها مع هذه المقالة .

قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم بأن الموضوع تاريخياً أو دينياَ ولكن كعادتى فى الكتابة أفضل ربط الموضوع بعنوان المقالة حتى لا أترك المجال للقارئ للتفكير كثيراً بقوله ما علاقة هذا بذاك ... إستكمالاً لمقالة ُنشرت لى ببعض المواقع الإلكترونية تحت عنوان (حكومتنا وهمسات العتاب التى لا تنتهى) حيث كانت تلك المقالة تتوقف عند مشارف إمساعد فى إنتظار إجتياز الحدود الليبية المصرية بعد الإنتهاء من بعض الإجراءات السهلة جداً فى حدودنا والصعبة والمعقدة بعض الشئ فى الحدود المصرية نتيجة للبروقراطية التى تفقدك أعصابك وخصوصاً عندما يكون برفقتك مريض ويستدعى علاجه سرعة الإجراءات .

حقيقة عندما تجتاز منطقة الحدود تتنفس الصعداء ولا يقلقك سوى طول الطريق الذى يتعدى (550) كيلو متراً حتى تصل هدفك فى مدينة الإسكندرية وهو مستشفى (مارمرقس) الشهير الذى يعتبر مستشفى الليبيين حيث يتوافد عليه أعداد هائلة من المرضى الليبيين الذى فضلوا عناء السفر بدلاً من العلاج فى ليبيا ، وهنا ومن واقع وقوفى الشخصى وكما تعلمون أن فضول الكاتب أو الصحفى للإطلاع على هذه الظاهرة المُلفتة للنظر وذلك لمعرفة الأسباب الجوهرية لهذا المُلتقى الكبير للمرضى اللييين داخل مستشفى خارج ليبيا ، فيا ترى لماذا ؟؟ وكيف ؟؟ وإلى أين ؟؟ .

عندما وصلنا إلى الإسكندرية كنا فى غاية التعب بالرغم من أن الطريق آمنة (ومزدوجه) ومريحة فلا بوابات تزعجك وإن وجدت فلا تسمع سوى (أهلاً وسهلاً ومرحباً) وليس التفنيص والوجوه المتجهمة التى تقابلنا فى بواباتنا ، غير أننى أود التنبيه أن بواباتنا داخل ليبيا لا هم لها سوى تعطيل حركة المرور  ومضايقة الحركة المرورية على الطريق العام ، وهذا ليس رأى فقط بل هو رأى الجميع .

  إستميحكم عذراً لأننى لا أتحكم فى أصابعى على الكى بورد ففى بعض الأحيان أبتعد قليلاً ولكن ليس كثيراً ، المهم خرجنا من الفندق صباحاً على تمام الساعة التاسعة صباحاً ، إستوقفنا سيارة أجرة (تاكسى) بسرعة البرق ، صباح الخير فرد بتحية أجمل وقال تفضلوا إلى اين فقلت (مستشفى مارمرقس) فقال من الناحية الغربية أو الشرقيه فقلت من الناحية التى نكون فيها أمام المستشفى ، فقال بسرعة بديهة ، الناحية الشرقيه بها درج صعب ويتطلب الصعود على الدرج وأنا أعرف أن أغلب الليبيين الذين يعالجون فى هذا المستشفى هم من لديهم أمراض القلب وتصلب الشرايين وضغط الدم والكلى وهنا أستوقفته وقلت له يبدو أنك مثقف ، وإذا به حاصل على بكالوريوس فى الزراعة وقد ترك العمل بالدولة وفضَل أن يكون سائق تاكسى لأن مرتبه لايسد حاجاته.

المهم أوصلنا من الناحية الشرقية والتى توصلك أمام الباب الرئيسى للمستشفى ، والمستشفى عبارة على عمارة عادية تم تحويرها لتستوعب إدارات المستشفى المختلفة والخدمات السريرية والعمليات وغرف العناية والتحاليل والأشعة بمختلف أنواعها والصيدلية والإستقبال وغيرها من أقسام المستشفى ، المهم ليس كأحد مستشفياتنا التى تضخ فيها مئات الملايين ولا يتوقع منها المواطن خدمات متميزة ، هذا ليس طعناً أو نقداً لاذعاً للجهات التى تتولى بناء المستشفيات لدينا ولكنها حقيقة ماثلة للجميع ، وما كارثة الأجهزة والمعدات الطبية التى تم توريدها لمستشفى درنه (الوحدة) ببعيد التى قامت الشعبية فى سنة 2000م بتوريد أجهزة ومعدات عديمة الصلاحية بقيمة (18) مليون دينار ، وإنتهت القضية ضد مجهول وحفظت فى الأدراج وخرجوا منها كالشعرة من العجينه بتدخل مراكز القوة وسلامات يا درنه .

وصلنا بسلامة إلله إلى المستشفى ونظرت من حولى وإذا بها كنيسة وبجوارها مسجد فتذكرت تلك الوحدة الوطنية المتماسكة على أرض مصر فالدين لله والوطن للجميع ، دخلنا المستشفى وتوقفنا مباشرة عند الإستقبال (السلام عليكم) وإذا بالسيدة الموجودة ترد علىّ عليكم السلام أهلاً وسهلاً ، لو سمحت نريد (إستشارى فى أمراض الشرايين ) قالت (12) جنيه فقلت لم أسمع جيداً فقالت (12) جنيه أى ما يعادل (3) دينارات ليبية ، وهنا شردت بذهنى ووصلت إلى بنغازى و درنه والعيادات الخاصة وأسعارها المُلتهبة ، فشتان بين هذا الإستشارى وذاك الطبيب المغرور الذى تخرج بتقدير مقبول بعد رسوب إجتاز المرات وكأنه لم يخلق فى الدنيا طبيباً سواه .

خلال فترة الإنتظار أحاول تطمين المريض الذى برفقتى بأن الأمور إنشاء الله تكون مطمنة بعون إلله وأن النتائج لاشك أنها سليمه والمثل الليبى يقول (الربيع يبان من فم الدار) وهنا كانت المفاجأة فأغلب من فى قاعة الإنتظار من بلدى  ليبيا ، من أين أنت ؟ من بنغازى ، إنشاء الله لباس عليك ، أيش عند والدك عندا (جلطه) رب يشفيه ، وأنت من أين من الكفرة وأنت من الواحات وأنت من البيضاء وأنت من المرج وهذه من القبه وتلك من طبرق !!! وإذا بإحدى أمهاتنا الليبيات برفقة إبنتها تقول فى حسرة (يا وليدى الخير عندنا واجد والشر واجد وألله لا يسامح المسؤولين إللى خلونا ذوايح).

أليس هذا بملتقى الليبيين فى مستشفى خارج بلادهم  يتحسرون فيه على وطنهم وإلى ما وصل إليه ؟ فما هى إلا ساعة واحدة ودخلنا على الإستشارى المتخصص الذى لا يقل عمره عن العقد السادس ، قابلنا بإبتسامة وترحيب حتى أنه وقف من على كرسيه مرحباً ، إستلم الصور المقطعيه والتقارير وإطلع عليها وطلب بعض التحاليل السريعة ، ومجرد أن إنتهينا من التحاليل المطلوبه كان لنا موعد معه ، وإذا بإبتسامة عريضة تملء وجهه ويقول مردداً (كل شئ تمام) وهنا رددت الحمد لله ، فشكرته وقلت له ديننا الإسلامى يقول (الكلمة الطيبة صدقة ) فرد علىّ نحن نقولها أيضاً ونقول كذلك (إبتسامتك فى وجه أخيك صدقه) ونعنى بأخيك فى الإنسانية وليس فى الديانة فقط .

عرجنا على الصيدليه وأخذنا الدواء الذى كلفنا (58) جنيه مصرى مضافاً عليه (12) جنيه كشف أى ما (70) جنيه مصرى كل ذلك المبلغ ما يعادل (18) دينار ليبى !! وهنا وبعد هذا السرد أود الإجابة عن بعض الأسئلة التى طرحتها (لماذا ؟ وكيف؟ وإلى أين؟) أما لماذا ؟ .. فلم يعد المواطن أو بالأحرى المريض الليبى يثق فى الطبيب الليبى نهائياً هذه واحدة .. أما كيف .. فهى أسعار العيادات الخاصة التى لم يعد بمقدور المريض الليبى تحملها ، ناهيك عن المستشفيات الحكومية التى لم تعد قادرة على تقديم الخدمات العلاجية للمريض ولا تتمتع بالكفاءة من حيث الأجهزة والمعدات الطبية ولا العيادات الخاصة التى لم تتقى ألله فى المريض ، أما إلى اين .. فالمستقبل كفيل بإصلاح الأوضاع فى مستشفياتنا وعياداتنا الخاصة إذا وصل المصلحون ودعاة التطور والمساواة والعدل  إلى مقاليد الأمور وتم تطبيق القصاص على أى مُفسد أساء للوطن والمواطن ، فمهنة الطب مهنة إنسانية وليست مهنة إستغلال ومكاسب مادية ولا مهنة سمسرة وعمولات ورشاوى ، ويظل الموضوع مطروحاً للنقاش وإلى لقاء آخر على طريق كشف الفساد أينما وجد وحيثما كان .

مرقس1


كهف مرقس بمنطقة الأثرون

 
مرقس2


عين وادى مرقس

 ملاحظة ...


هذه المقالة كتبتها قبل إنتفاضة فبراير بسنوات عندما كنا نعان الأمرين فى العلاج وما حدث أيام النظام السابق من نهب وسرقة فى مخصصات قطاع الصحة  فهل تغيّر الوضع بعدالثورة ؟؟!! .. لا وألف لا ، فقد هُدرت المليارات بدل الملايين فى النظام السابق بواسطة وزراء الصحة مزدوجى الجنسية الذين إبتلانا بهم ألله بعد الثورة ومعهم أتباعهم المُرتشين واللصوص   وتم إطلاق أيدى السماسرة فى النهب بكل من مصر وتونس وغيرها .. فإلى أين أنت ذاهب  يا وطنى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق