خياران أحلاهما مرّ
د. فرج أحمد قرمان
24/5/2014
هل إستطاع فرسان الثورة المُضادة وضع الليبيين أمام خيارين أحلاهما مرّ؟ وهل سينجح هؤلاء في تحقيق هدفهم غير المُعلن في بسط سُلطتهم علي كامل التراب الليبي على غرار ما فعله العسكر في مصر؟
لا شك أن المصالحة الوطنية لا تتحقق إلا بعد أن يُعلن الخاسر خسارته للمعركة (Concede defeat) ويعلن الطرفان رغبتهما في المصالحة وطي صفحة الماضي بكل ما تحمله من أوجاع وآلام من أجل نجاح بناء الدولة العصرية والتي من المُفترض أن تُؤسس على مبدأ التداول السلمي على السلطة بالطُرق الديمقراطية المُتعارف عليها.
ما حدث ويحدث في ليبيا يدل على أن هذا لم يحدث وليس متوقعاً أن يحدث في المستقبل المنظور، فالطرف الخاسر لم يُعلن خسارته ولم يُعلن إعترافه بالهزيمة ويرفض المصالحة من خلال ما يقوم به من أفعال وأعمال تهدف الى زعزعة استقرار الوطن وعرقلة بناء الدولة الديمقراطية، مستغلاً موجات غضب جماهير الشعب الموجهه ضد السلطتين التشريعية والتنفيذية كلما حدث خرقاً أمنياً وكلما احتدم الجدل السياسي داخل أروقة المؤتمر الوطني العام.
إرهاصات الثورة المضادة بدأت تلوح في الأفق عندما قام السيد محمد أبوقعيقيص بعرض ملفات للفساد على وسائل الاعلام وصال وجال على مدى فترة ليست بالقصيرة متهماً أعضاء المؤتمر والحكومة بسرقة مقدرات الشعب الليبي، والتي كان آخرها إتهامه للحكومة ببيع النفط بدون عدادات. اُستغل هذا الملف من قبل ابراهيم الجضران، أحد العاملين بحرص المنشآت النفطية، وكان ما كان من حصاره للموانئ النفطية وتعطيله لعملها وإعلانه قيام ولاية برقة ومحاولته بيع النفط بطرق غير مشروعة.
المرحلة الثانية للثورة المضادة كانت يوم أن حُدد يوم السابع من فبراير 2014 كآخر يوم لولاية المؤتمر الوطني العام وقيام العديد من الليبيين بالمطالبة بعدم التمديد له في ولايته ولوليوم واحد. اُستغل هذا الملف من قيل اللواء المتقاعد خليفة حفتر وأعلن إنقلابه التلفزيوني عبر قناة العربية والذي أمهل فيه أعضاء المؤتمر سويعات قليلة للتنازل عن السلطة، واُستغل هذا الملف أيضاً، من قبل كتائب القعقاع والصواعق والمدني، وأعلنت إنقلابها على المؤتمر الوطني العام وأعطت أعضائه مدة قصيرة لتسليم السلطة وللخروج آمنين من مقر المؤتمر، وتطور الامر الى أن هدد عبد الله ناكر بأنه سيُيتم أنباء أعضاء المؤتمر إن لم يمتتلوا لأوامره بتقديم استقالاتهم والانسحاب من المؤتمر.
دروة الثورة المضادة جاءت في مرحلتها الثالثة، والتي تمثلت في قيام اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومن تضامن معه من ضباط الجيش باستغلال الانفلات الامني وغضب الشارع في بنغازي على خلفية الاغتيالات والتفجيرات المتكررة والتي حصرت وسائل الاعلام منفذيها في أفراد التشكيلات المسلحة ذات المرجعية الاسلامية كأنصار الشريعة وكتبة رأف الله السحاتي وكتيبة عمر المختار، فقام بالهجوم على مدينة بنغازي يوم الجمعة 16 مايو2014 وسمى هجومه بعملية الكرامة مستخدماً جميع أنواع الاسلحة بما فيها الطيران لدك حصون الأسلاميين الارهابيين حسب وصفه لهم. في شقها الميداني لم تنجح حملته، فلقد تقهقرت قواته بعد تكبدها عدد كبير من القتلى والجرحى رغم إستخدامه للطيران في قصف مواقع التشكيلات المسلحة في المدينة.
عملية الكرامة لم تنجح، إلا أنه أستطاع أن يستحود على تعاطف العديد من أهل بنغازي ومن أهالى بعض المدن الأخرى، فالكل يرغب في وضع حد للتفجيرات والاغتيالات ولا يهمهم من يقوم بفعل ذلك.
في اليوم الثاني لحملة جنود حفتر على بنغازي، قامت كتائب القعقاع والصواعق والمدني المتمركزة في طرابلس وضواحيها بالهجوم على مقر المؤتمر الوطني العام بالاسلحة الخفيفة والمتوسطة ودارت معارك مع الثوار أستخدمت فيها هذه الكتائب أسلحة ثقلية كان آخرها قصف أحياء سكنية بقدائف الجراد.
صحيح أن الثورة المضادة لم تنجح ولكنها أدت إلى أستقطاب الليبيين رغماً عن أُنوفهم، فوضعتهم أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإما الاصطفاف مع حفتر ومعركته للكرامة وهذا يعني تفويض العسكر لحكم ليبيا من جديد، وعودة الدكتاتورية وحكم الفرد والتخلي عن حلم بناء الدولة الديمقراطية، وإما الاصطفاف مع الثوار والدين تكمن قوتهم في كتائب مسلحة تشمل الاسلاميين والجهاديين وحتى التكفريين وهذا أيضاً قد يكون فيه تهديداً للديمقراطية ولقيام الدولة العصرية.
هكذا، إستطاعت الثورة المضادة بعد صبر طويل، وضع الشعب الليبي أمام خيارين صعبين وسيضطر مُجبراً على الأصطفاف مع أحد الطرفين وقد ينتهي الأمر لا سمح الله، إلى حرب أهلية شاملة تأكل الأخضر واليابس والرابح فيها خاسر. ففي وجود السلاح في كل مكان، لن يستطيع أي من الطرفين تحقيق النصر الكامل وحسم المعركة وقد تستمر الموجهات لسنوات وربما لعقود طويلة كما يحدث الآن في الصومال وأفغانستان.
خيارنا الوحيد للخروج من هذه الازمة الكارثية حسب وحهة نظري، هوالحوار. ولكن للحوار شروط، وهذه بطبيعة الحال ليست شروطاً من أي من الطرفين بل قد تكون شروطاً الوسيط ليتبنى الوساطة بين الطرفين.
الحوار مُجد في حالة الإختلاف ولكنه غير مُجد في حالة الخلاف، فأختلافنا على الوسيلة يعد أختلافاً ولكن إختلافنا على الهدف يعد خلافاً. إذا اتفقنا على الهدف والذي يتمثل في بناء الدولة الديمقراطية، دولة القانون والتداول السلمي على السلطة عن طريق الانتخابات الحرة المباشرة والتي لا تتعارض قوانينها ومواد دستورها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، عندها يمكننا التحاور والتوافق على أيسر السبل للوصول لهذا الهدف، فاختلافنا فى هذا التحاور لن يفسد للود قضية.
لقد أعلنت كل من سبها ومصراتة حيادهما واستعدادهما لاستضافة الجانبين للحوار. خطوة جيدة على الخيرين في هذا البلد استغلالها والاتصال بجميع الاطراف واقناعهم بوجوب الجلوس على طاولة الحوار في أحد هاتين المدينتين بغية الوصول الى توافق ينقد الوطن من ويلات حرب يعلم الله كيف ومتى ستنتهي إنْ حمى وطيسها.
حفظ الله ليبياد. فرج أحمد قرمان
fargarmn@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق