الاثنين، 28 سبتمبر 2015

ذهان الإخوان ... عبد المالك تمرابط



ذهان الإخوان





يقول الإخوان المسلمون ان مرجعيتهم اسلامية وإن السلطة ليست هدفا بحد ذاتها. فالمهم بالنسبة إليهم هو»خدمة المجتمع وتحقيق القيم السامية الموجودة في الاسلام». ولا يمكن، في الحقيقة لشخص منصف أن يشكك في هذه الطروحات، لأنه سيشكك في النوايا والتشكيك في النوايا يغرق كل شيء في الذاتية.

إذا ركزنا على المنظمة الأم، أي إخوان مصر، فسنجد إضافة إلى هذا، تأكيدا على الوسطية والسلمية وهوما تتبناه «حركة مجتمع السلم « (حمس) بالجزائر، من بين حركات أخرى. لكن محاولة فهم هذه المرجعية الاسلامية الوسطية السلمية يعتبر مهمة صعبة نوعا ما، لأننا لا نستطيع أن نحدد ما إن كانت تتحرك في إطار السياسة، كعلم، أوالسياسة بما لا يخالف الشرع. والفصل هنا ضروري .. لأن المتشابه كثير.

من النادر أن يتحدث شخص من الإخوان في موضوع ما بدون أن يورد آية أوحديثا أو قصة من القرآن.. بما قد يوحي للمستمع أن أفكار المتحدث مغربلة شرعا. وهذا يخلق نوعا من التشويش خاصة في الحقل السياسي. فالسياسة كعلم حديث أنتجت أدوات ومناهج متنوعة لدراسة الظاهرة السياسية والقرار السياسي وما إلى ذلك.. أي أننا لا نخالف الشرع حين نقول انها تشبه لعبة الشطرنج. لكن إذا تم التركيز على ثنائية الحق والباطل في كل نقلة سياسية فلن يكون هناك إمكان لرؤية العوامل الخفية والمتحكمة في اللعبة.

فإخوان مصر مثلا يرفضون حتى الآن الإقرار بأنهم كرروا نفس النموذج الجزائري، والإحتجاج بالحرب التي وقعت أواخر القرن الماضي في الجزائر. وهذا صحيح إذا ركزنا على العنف. 

لكن المقارنة بين ما حدث في الجزائر وما حدث في مصر هو نفسه من الناحية السياسية.. باعتبارها نقلات شطرنج – أي أن المرجعية الإسلامية الوسطية والسلمية لم تقدم آليات عملية لممارسة السياسة بما هي سياسة. 

والغريب أن قياديي حركة مجتمع السلم الجزائرية يفتخرون بحكمتهم في تلك الأزمة – في أواخر القرن الماضي- وببعد نظرهم. ومع ذلك فهم يتعاطفون اليوم، بدون قيد أوشرط، مع إخوان مصر باعتبارهم ضحايا.. أي تحليل الموقف بمقاربة الحق والباطل. والأغرب من هذا، هو دعمهم في مطالبتهم بعودة الشرعية، وهو ما لايزال يطالب به بعض قادة جبهة الانقاذ حتى اليوم!
صحيح أن أنصار الشرعية من حقهم الغضب. لكن من واجب الدولة – وليس السلطة – عليهم أن يمارسوا السياسة باعتبارهم أحد اللاعبين، خاصة وأن اللاعبين الإقليميين والدوليين يمارسون ألعابهم في كل دولة عربية بمتعة كبيرة.. في حين تفضل الحركات الاسلامية مسرحيات تاريخية يطاح فيها بالملك ليهب اتباعه لاسترجاع العرش. 

وهذا هو ما يميز الحركات والأحزاب الإسلامية،على الأقل في شكلها الراهن.. أي أنها لا تقر بأن لديها قصورا فكريا بنفس الحجم الموجود عند الحركات اليسارية أواللبرالية. وبعبارة أخرى، عدم الاعتراف بأن الجميع يعاني أغلال التخلف، ومن ثم الإقرار بأن القرارات التي اتخذت في فترة ما هي مجرد اجتهاد ولا حرج في إدارة الدفة بما تقتضيه مصلحة الدولة وعامة الشعب بعيدا عن عقدة السلطة. ولعل التناقض الكبير الذي يميز ما وقع فيه إخوان مصر هو اعتبارهم ان ما يقومون به دفاع عن الشعب المصري، وأنه فوضهم من خلال تزكية محمد مرسي كرئيس شرعي.

لكن هذا غطاء أخلاقي مزيف، لأن التفويض الذي تتيحه الديمقراطية محدود في فترة إنتخابية واحدة جاءت نتيجة «خمسين + واحد»، أي أنها أسوأ من النتيجة التي حصلت عليها جبهة الانقاذ في الجزائر . 

والمهم في الموضوع ليس هو الأرقام وإنما مفهوم الديمقراطية بحد ذاته. فالعمل الديمقراطي يفترض أن الشعب هومصدر السلطة ومصدر الشرعية ولا يمكن لمن تفوضه الصناديق أن يحتكر هذه الشرعية ويعتبرها صكا على بياض. والمصيبة في هذه الأخلاقية الإسلامية هي الإيمان بأن الشعوب العربية تحب الإسلام وستختار دائما من يتبنون مرجعيته للعمل السياسي. أي أن المسألة محسومة مسبقا ولاتتعلق بنتائج .

نقرأ ما كتبه التاريخ من أن الرسول (ص) رفض الخروج في غزوة أحد ،ولكنه ساير أغلبية الصحابة. وكانت النتيجة سيئة في النهاية وليست من النوع الذي يحب دعم كل فكرة من المراجع الاسلامية لأنه سيكون هناك من يذهب إلى نفس المكان ويأتي بما يخالف، لكن الأمر مغر.. كيف أن أفضل إنسان عرفته الأرض يتنازل عن رأيه ويتبع رأيا مختلفا؟

الأخلاق في السياسة مسألة شائكة. لكن مرجعية إسلامية وسطية سلمية هي عنوان كبير جدا يفترض مرونة كبيرة. 

لقد تداعت هذه الأفكار في ذهني حين استمعت للسيد عزام التميمي وهو يقول لصحافي في قناة «الحوار» إن من يخالف توجه قيادة الإخوان عليه أن يؤسس شيئا جديدا ويقدم فكره الجديد في مكان آخر ويترك الإخوان في حالهم!

فلم أجد لما قاله سندا في عقل ولا في نقل.. أي أن قيادة الإخوان بإمكانها احتكار سبعين سنة من العمل السياسي بما فيها من جهد ومال ورجال بمجرد أن الأمر أوكل لمجموعة من الأشخاص. أي إحتكار الإخوان باسم تفويض.. واحتكار الشعب باسم تفويض.. ومن ثمة الديمقراطية، وهلم جرا..

إننا نتقزز من المتطرفين من كل ملة أو نحلة لتحقيرهم العقل جملة، لكن ما يفعله الاخوان من الخليج إلى ليبيا لا يماشي العقل، ولا نقول يتطابق، لأنه لا أحد يستطيع أن يطابق فكره مع العقل.

مستقبل الاسلاميين متعلق بتعلم لعبة الشطرنج. فالموت داخل هذه اللعبة افتراضي، لكنه مقبول. ويمكن أن يتكرر إلى ما لا نهاية. وما يحدث في المنطقة العربية سببه أن الفساد متمرس في هذه اللعبة. فحين تعتقد أنه تلقى ضربات قاتلة، يجب أن تحذر… لأن البيدق قد يتحول إلى ملك.


عبد المالك تمرابط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق