الاثنين، 5 أكتوبر 2015

الرؤيا.. وحكومة الوفاق الوطني





 الرؤيا.. وحكومة الوفاق الوطني



  د. فتحي أبوزخار
 4/10/2015


ما جاء في كلمة السيد جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية يوم الجمعة 2 أكتوبر  بمقر الأمم المتحدة بنيويورك هو تأكيدا لكلمة السيد براك أوباما في بداية الأسبوع، بعد اعترافه بالخطأ وترك فراغ بليبيا، والتي ذكر فيها  بأن الحل في ليبيا لن يكون إلا سياسيا وعلى الليبين المتحاورين أن يتفقوا على حكومة الوفاق الوطني.. وبغض النظر عن ماهية وحقيقة الاعتراف!!! فلا جدوى من الخوض في أسباب الاعتراف والغوص في مجاهل المؤامرات المحاكة ضد ليبيا. المهم هو أن الجميع اتفق مع الحل السياسي مع قادة أوروبا بما في ذلك روسيا.. وعلينا نحن كلييين وليبيات إلا نفوت الفرصة في الخروج بليبيا من تيارات الصراع المقيتة، التي لا تعبر على إرادة الشعب الليبي، إلى بر حكومة الوفاق الوطني التي تخدم الوطن.

 مواصفات رئيس الحكومة:

في مقالة سابقة بليبيا المستقبل ناقشنا مواصفات رئيس حكومة الوفاق الوطني المرتقب.. ومع تأكيدنا على ضرورة أن يكون للرئيس برنامج لمشروع مدروس.. خطط له ضمن فريق متناغم..  إلا أننا ما زلنا نرى بأن مسألة الرؤيا التي يجب أن يحملها رئيس الحكومة المرتقب مهمة للخروج من الأزمة التي تعيشها بلادنا.

فمن أبجديات تحقيق النجاح وحسب ما أقرته أدبيات إدارة الجودة أن يكون للمؤسسة أو بالأحرى رئيسها رؤيا ورسالة وأهداف .. ومن باب أولى أن يكون لحكومة الوفاق الوطني القادمة رؤيا تنطلق منها برامجها الجديدة وتترجمها أهداف واضحة لإنقاذ ليبيا من أزمتها وضمن إطار زمني محدد. فمع تحلي رئيس حكومة الوفاق بروح عمل الفريق الواحد يجب أن تنطبق عليه شروط النزاهة والاحترافية في العمل.

• الرؤيا ما بين الانصياع والمشاركة!

مع أن حكومة الوفاق أو التوافق بتقديمها لرؤيا قد تخرج البلاد من أزمتها أو محنتها إلا أن الرؤيا لو لم تعكس عمل فريق بالدرجة الأولى فقد لا تحقق النتائج المرجوة.. وهذه الرؤيا لن تكون فعالة أيضا لو لم ترقى إلى طموحات شريحة واسعة من الشعب الليبي.. فلا يمكن أن نتوقع انصياع الليبيين والليبيات لها بسهولة.. فمن المهم أن تكون للشعب الليبي المشاركة في هذه الرؤيا .. وقد تكون من خلال عرض مسودة الرؤيا على ممثلين عن الشعب الليبي من طوائف (عرب، وتبو، وأمازيغ)، ونخب، ونشطاء بمؤسسات المجتمع المدني، ومثقفين، وحقوقيين، وإعلاميين، وكذلك أكاديميين.

إن بلورة الرؤيا في شكلها النهائي يحتاج بالفعل لمناقشات، وحوارات جادة بين الجميع وفريق حكومة الوفاق الوطني.. فالمساءلة الليبية قضية جمعية يشترك ويشارك فيها الجميع بمختلف أعراقهم ولغاتهم ومذاهبهم الدينية، والفكرية، والسياسية.. وعلى حكومة الوفاق الوطني أن تلعب دور الميسر لمثل هذه النقاشات التي تحدد وبصيغة واضحة رؤيا للخروج بالوطن من أزمته إلى فضاء البناء والعمل وتصحيح المسار الديمقراطي الذي خرج عن جادته.

وفي هذا الصدد نستعرض ما نقله د. يحيى ملحم بمقالته الرؤية والإنتماء فــي مؤسسات القرن الواحد والعشرين عن بيتر سينجي (2006) "أن الرؤية ليست بمجرد فكرة، حتى لو كانت تلك الفكرة في غاية الأهمية، إنما هي قوة، وموطن هذه القوة هو قلوب الناس وأحاسيسهم فضلا عن عقولهم وجوارحهم. إنها قوة غير عادية (فوق العادة) تجمع ولا تفرق وتجعل هؤلاء الناس في أي وحدة اجتماعية يتوحدون نحو تحقيق هذه الرؤية" ونأمل بالفعل أن يكون لرئيس حكومة الوفاق الوطني تلك الرؤيا التي توحد جميع الليبين والليبيات وتجمعهم حول ليبيا ولا تفرقهم. ويكون اختلافهم قيمة مضافة لا توظف للخلاف بينهم.

• موازنة بين الرؤيا والرسالة:

من المهم الموازنة بين الرؤيا والرسالة .. لذلك يجب أن تتبع الرؤيا رسالة أو تتقدم عن الرؤيا رسالة.. فالرسالة سلوك يبتغي الوصول إلى براح السعادة.. بينما الرؤيا طموح يسعى لتحقيق منازل النجاح العليا .. وضمن أهداف محددة.. في إطار زمني محدد.

حكومة الوفاق الوطني يجب أن تتبلور رؤيتها حول الخروج بليبيا من الأزمة التي تعيشها والمتمثلة في غياب آمن المواطن والحد الأدنى من الخدمات التي لا يمكن الاستغناء عنها.. وعلى أن تترجم الرؤيا في خطوات تنفيذية تصل إلى الأهداف المرسومة ضمن خطة محكمة.

• رئيس الحكومة.. مديرا أم قائدا:

القيادة والإدارة مصطلحين مختلفين.. فالقائد هو القدوة وصاحب الرؤيا وله القدرة على إشراك الجميع في صنع المستقبل والعمل بجد للنهوض بالوطن الجريح وتضميم  جراحه.. وهذا مهم للمرحلة التي تعيشها ليبيا.. لكن المرحلة الراهنة أيضا تحتاج إلى إدارة الظروف الآنية بسن قرارات ولوائح لتسريع العمل وإيجاد حلول عملية لجميع المعوقات التي قد تعترض رئيس الحكومة.. فالقيادة لا يمكن قبولها بأن تكون استبدادية أو رخوة بل ديمقراطية.. تشجع ما يتميز به الناس من سلوكيات تساعد على الابتكار والمبادرة في العمل للخروج من الأزمة التي تعيشها ليبيا.

فمع أن رؤيا رئيس الحكومة كقائد هي سعيا لتحقيق غايات وأهداف تطمح لها إدارة الجودة الشاملة.. يبقى هو أيضا مديرا يعمل على استصدار قرارات سريعة ويتابع تنفيذ الحلول العملية لخدمة الناس والارتقاء بطموحاتهم في الأمن والآمان والعيش الكريم. 

إذن فالجمع بين صفة القائد والمدبر مهم جدا لرئيس حكومة الوفاق الوطني القادم.. كما ويجب أن يوفق بين القيادة برؤيا والإدارة بحزم.. وعاشت ليبيا حرة.. تدر ليبيا تادرفت.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق