حب كمان وكمان
بروين حبيب
حين صدر كتاب غادة السمان «أعلنت عليك الحب» في طبعته الأولى في آذار/
مارس عام 1976 كانت الصدمة… ربما لم يكن الوقت مناسبا كما قال الأكثرية،
زحفت الحرب على بيروت وحوّلتها لخريطة من الدماء.
وحدثت انقلابات كبرى في العالم، وانهار سعر البترول، ودمرت الزلازل مدنا بأكملها، ونسف تسونامي جزءا من الفلبين وأحداث كثيرة يصعب اختصارها… لكنّ غادة وقفت بفرادة عجيبة وأعلنت الحب على كائن لا نعرفه. تراها أعلنت الحب على رجل يخصها وحدها؟ أو أعلنت الحب على الرجل الذي أعماه القتال فأدخل عاصمة قلبها بيروت في نفق مظلم؟ أم تراها سبحت ضد التيار كما تعوّدت دائما أن تفعل؟
والأرجح أن هذه السيدة التي قيل يومها إنها مجنونة، وتفكر بعواطفها ككل النساء أحيانا وأحيانا عكسهن، ولا تأبه بما يحدث حولها، كانت أكثر وعيا من غيرها من الكائنات التي أصيبت بسعار القتال. رفعت راية الحب عاليا وتوقعت أن تغير شيئا في تلك النفسيات المريضة، فقد كان العالم قد أصيب بفيروس عصي هو فيروس الكراهية، وهو الفيروس الذي ازداد توحشا اليوم وانتشر أكثر بين أجيال توقعنا أن تكون أفضل حالا من أجيالنا.
قالت غادة: «أعلنت عليك الحب» فخاف الرجال من أن ينتشر الانفلات الأخلاقي بين النساء، فتجن الزوجات المخدوعات والحزينات والعازبات والعارفات بأسرار الحب فيفرضن سلطتهن في اختيار رجالهن، وتنقلب معادلة الحياة رأسا على عقب، إلى أن يجد الرجال أنفسهم مجردين من قوة اكتسبوها على مدى ملايين السنين لامتلاك المرأة.
أعلنت غادة الحب فاعتنقه البعض وخاصمه الأكثرية، ولا زلنا كلما رنّت كلمة «حب» في آذاننا العطشى والمصابة بالقحط نصاب برجفة الخائف من أن تحل عليه لعنة ما. نشبه كثيرا ذلك اللص الآدمي الذي يسرق بضمير، نريد الحب ولكننا نخاف أن نعلن ذلك، فنسرق جرعات صغيرة منه ونترك الكثير.. نسرق ما نظنه يكفينا ونستعمله في الغالب في غير موضعه. لا توجد كاتبة عربية كتبت عن الحب مثل غادة السمان، ولا توجد كاتبة غيرها كتبت عن القضية الفلسطينية، وقضايا الإنسان وإن كنا في هذا الزمن المجحف نتعامل مع الشخص وكأنّه مُنتج موسمي… مع أن الحب والكتابة شيئان لا يشيخان أبدا، ولا يمكن التعامل معهما إلاّ على هذا الأساس.
إذ لا نزال نقرأ كتبا عمرها قرون، ولا نشعر بعمرها أبدا ولا بعمر من كتبها ولا بجنسه. تماما كالحب الذي حين يرمي سهامه في قلوبنا تنهض الحياة في كل خلية من خلايانا وتحتفل بكل شيء فينا وحولنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق