محاكمة بلير أم القادة العرب؟
ADVERTISEMENT
أخيراً،
يخرج رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عن صمته ويعترف،
بعد 12 سنة كاملة من المكابرة والتستّر على الجريمة وتداعياتها، بأن
قيام بلده بمساعدة أمريكا على غزو العراق في مارس 2003، كان
"خطأ" لايزال يكلّف العراق غالياً إلى حدّ الساعة.
لكن اعتراف بلير جاء مبتوراً؛ فقد زعم بأن الغزو جاء بناءً
على معلومات استخباراتية "خاطئة" كما وصفها، أما الحقيقة فهي أن
الغزو كان مخططاً له بسبق إصرار وترصّد، وتمّت فبْركة أكذوبة امتلاك
صدام أسلحة دمار شامل، لتبرير غزو بلده وإسقاط نظامه الذي يناصر
فلسطين ويهدد الكيان الصهيوني، لا أكثر ولا أقل.
ومع ذلك، اعترف بلير بأن بلده وأمريكا أخطأ أيضاً "في تقدير ما
سيحصل بعد الغزو"، على حدّ تعبيره؛ وأن الغزو ساهم في ظهور
"داعش"، وهذا اعترافٌ صريح بأن أمريكا وبريطانيا قد أجرمتا بحقّ
العراق، حينما أسقطتا نظام صدام الذي كان يعامل العراقيين جميعا على
قدم المساواة، وكانت الهويةُ الوطنية هي الجامعة لكل العراقيين،
وكان محظوراً عليهم الحديث عن انتمائهم الطائفي أو العرقي؛ فالجميع
سواسية أمام القانون في عهد صدام، لكن الغزو الأمريكي - البريطاني
أنهى هذا التعايش المثالي بين العراقيين وقضى على هويتهم الوطنية
الجامعة لهم، وأثار النعرات الطائفية والعرقية بشكل غير مسبوق من خلال
الانحياز السافر للشيعة وتسليمهم الحكم على طبق من ذهب مكافأة لهم على
رفضهم مقاومة الاحتلال، ووقوفهم معه ضد المقاومة السنية دون أن يشعروا
بخيانة بلدهم، فكان ذلك مقدّمة لانقسامات طائفية عميقة كرّسها نوري
المالكي لاحقاً حينما تولى رئاسة الحكومة خلفاً لإياد علاوي،
فمارس سياسة طائفية اقصائية مقيتة بحق السنة، ووقف خلف "فِرق الموت"
الشيعية التي وجّهت سلاحَها إلى السنة بدل الاحتلال في عامي 2006
و2007، وخلّفت تلك الفتنة الطائفية مقتل 180 ألف عراقي معظمهم من
السنة، وتسبّبت في استقواء "داعش" بتسمياتها السابقة، حيث وجدت
في المحافظات السنية حاضنة شعبية قوية لها، ما مهّد لاجتياحها الموصل
والاستيلاء على ثلث الأراضي العراقية في صيف 2014، وكل هذا بسبب
الغزو، وحلّ الجيش العراقي الذي كان يزعج الصهاينة، وتسليم
الحكم للشيعة وبالتالي إطلاق يد إيران في العراق.
لقد أدّى احتلالُ العراق إلى مقتل أكثر من مليون عراقي وخسائر أخرى
مادية ومعنوية فادحة، وكذا تفسّخ النسيج الاجتماعي العراقي وتفكيك
وحدته، فهل بعد كل هذا يكفي اعتراف بلير؟
لو كنا في عالم تحكمه القوانينُ فعلاً، لجُرّ بلير وبوش إلى
المحكمة الدولية دون تردّد لمحاكمتهما على كل الجرائم سالفة الذكر، ولكن
هذه المحكمة انتقائية عوراء لا ترى إلا عمر البشير وأمثاله، في حين
يفلت منها كبارُ مجرمي الحرب في العالم من الذين يمنحون لأنفسهم
الحق في غزو دولٍ مستقلة وإسقاط أنظمتها ولو أدى ذلك إلى الكوارث
والويلات، لكن المشكلة: من يستطيع قيادتهما إلى المحكمة الدولية؟
وقبل ذلك: من يُحاكم القادةَ العرب الذين ساعدوا بلير وبوش على
احتلال بلدٍ عربي وتسليمه لإيران؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق