الفضيل بوعمر الأوجلى والشهادة فى سبيل وحدة التراب الليبى :: بقلم المهندس / فتح الله سرقيوه
الفضيل بوعمر الأوجلى
والشهادة فى سبيل وحدة
التراب الليبى
بقلم المهندس / فتح الله سرقيوه
الشهيد البطل / الفضيل بوعمر
بسم الله الرحمن الرحيم
(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله
أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون )
صدق الله العظيم
نحن أمة تملك فى تاريخها
التجارب القوية والحية ولهذا فإننا أمة تجدد دائماً من خلال هذه التجارب
العظيمة ، كما أننا شعب لا ينسى المحن والعذابات التى عاشها فى المعتقلات
والمنافى ، ومن أغلى وأنبل وأشرف تلك التجارب حركة جهادنا ضد الطليان
الفاشست وتلك المهمة التاريخية التى صنعها رجال عمر المختار ولقنوا فيها
إيطاليا درساً لا يُنسى من خلال تلك المدرسة العسكرية التى أسسها عمر
المختار والتى جعلت الجبل الأخضر أرض محروقة أمام العدو وأصبحت المنطقة
بكاملها بوابة نار أذهلت جنرالات إيطاليا مما جعل غرسيانى يقول ( لقد ضربنى
عمر المختار ضربات موجعة لا أنساها فى تاريخى العسكرى ).
منذ زمن ليس بالبعيد
وتحديداً فى سنة 2003م وفى مكتب متواضع كنا نبحث جميعاً نحو فضاءات هادئة من
ضجيج يومى ومتفاقم تتعايش معه درنه ، فكانت الفكرة ندوة أو معرض للصور حول
مجاهد ليبى يُغير فى درنه الكثير .. فمن خلال رابطة المجاهدين بدرنه التى
على رأسها الأستاذ / يحيى الأسطى عمر ورابطة الخبراء التى على رأسها
المهندس/ فتح الله سرقيوه ونشطاء الجمعيات الأهلية الخيرية وأبرزهم
الأستاذ/ عمر فرج بوشوشينه والأستاذ الصحفى / ناصر الدعيسى وبعض الخيّرين ، كان إختيارنا شهيد يُبعدنا عن المزايدة وقد برز
إسم الشهيد الفضيل بوعمر وقلنا جميعاً وليكن هذا المجاهد بعينه الذى يُشكّل
فى حركة الجهاد نقاط مضيئة وقد جاء من قرية صغيرة فى واحاتنا الجنوبية ومن
عمق صحرائنا الطاهرة ليقاتل عن وطنه مُجسّداً وحدتنا الوطنية الليبية .
حيث تم عرض الفكرة على
الجهات المختصة آن ذاك فكانت الموافقة (بدون دعم) وقد كانت العقبة الأولى
هى التمويل لهذه الإحتفالية ولكن أقول لكم بصدق أن الشهداء مُباركون لا تُقفل
فى وجوههم الأبواب فما بالك ونحن فى مدينة صحابة رسول الله صل الله عليه
وسلم .
لقد إخترنا هذا البطل الذى
لم يركب الشبح ولم يحظى بالصفقات والنسب المئوية وأرقام الحسابات وتشاركيات
العلفة والإسمنت .. قيمة هذا البطل لم تكن الفوز بمنصب أو جاه أو شيخ
قبيلة ، قيمته كبطل كانت رهانه على المشروع الوطنى وحرية الوطن ، كان رهان
الفضيل بوعمر الحرية التى كان ثمنها الدم من أجل القيم العظيمة .
نبذة عن حياة شهيدنا البطل المرحوم بإذن الله تعالى ـ الفضيل بوعمر الأوجلى .
أعدها لنا فى سنة 2003م
أستاذنا الفاضل الدكتور/ مصطفى سعد الهاين الباحث التاريخى بمركز الجهاد
الليبى للدراسات التاريخية وعضو هيئة التدريس بجامعة عمر المختاربالجبل
الأخضر .
تذكر المصادر التاريخية أن
مولده كان فى سنة 1880م بواحة أوجله ، يلقب والده بعمر أبى حواء وقد لقب
الفضيل أيضاً بلقب والده ، كان والده صاحب وجاهة وله شأن كبير فى قومه شديد
البأس مهاب الجانب وقد إشترك (عمر بوحواء) مع المجاهدين الجزائريين فى صد
القوات الإستعمارية الفرنسية التى تزحف على التراب الجزائرى وقد بقى يجاهد
مع إخوانه الجزائريين قرابة ثمان سنوات حتى إعتقد أهله بأنه قد أستشهد هناك
.
عندما عاد عمر أبو حواء إلى
أهله فى مناطق الواحات الجنوبية أخذ على عاتقه التعليم وإلقاء الدروس
الدينية والمواعظ وحل المشاكل القبلية بين سكان أوجله والكفرة وبقية
الواحات الجنوبية ، وقد تزوج عمر الفضيل أبى حواء من قبيلة المغاربة وأنجبت
له عبدالله ومحمد والفضيل ، وإنتقل إلى واحة الجوف حيث أسس منارة دينية
هناك ، وواصل عمله فى التعليم الدينى والإرشاد والتوجيه بين قبائل زويه
والتبو وغيرهم .
تلقى الشهيد الفضيل بوعمر
قائد معركة الأثرون (السقيه) الشهيرة تعليمه الدينى الأول فى مسجد منارة
الكفرة وقد تفوق فى حفظ القرآن الكريم ودراسة الفقه والتفسير والحديث
والتاريخ والحساب ووصل به تفوقه فى العلوم الدينية إلى أن أصبح إماماً
وواعظاً فى مقتبل عمره كما تعلم الفروسية وإصابة الأهداف وفنون القتال.
إن قوة الإيمان بالله
سبحانه وتعالى لدى شهيدنا البطل والقيم والأخلاق والمبادئ السامية التى شب
عليها وتعلمها من والده الشيخ الجليل / عمر بوحواء ساعدته فى إتخاذ قراره
الجرئ حيث شد الرحال يحمل بندقيته على كتفه زاده الإيمان بالله إلى أن
إلتقى إخوانه المجاهدين فى الجبل الأخضر . لقد قدم المجاهد الفضيل بوعمر
إلى الجبل الأخضر متطوعاً إلتزاماً منه بمبدأ الجهاد فى سبيل الله حيث
إلتحق بالأدوار الجهادية تحت قيادة شيخ المجاهدين عمر المختار المنفى .
نظراً لما عُرف عن عمر
المختار من حكمة ودراية بمشاكل وطبائع قبائل الجبل الأخضر فقد أسند قيادة
دور الحاسة والعبيدات إلى القائمقام الفضيل بوعمر الذى كان محبوباً من
الجميع كما كان يُلقب أيضاً بالنائب الأول لعمر المختار أسوة بالشيخ الجليل
الشهيد القائمقام حسين مفتاح الجويفى .
إستعان الفضيل بوعمر فى
قيادة الدور بالمجاهدين القدامى المتمرسين من خريجى المدارس الحربية
التركية الذين شاركوا فى الجهاد فى مواقع متعددة من أرض ليبيا أمثال عوض
العقاب وصالح إمطير والشريف الكاسح ومحمد النافرة وأبوشعرايه الشلوى
وعبدالحق الطائع الحاسى وإقطيط موسى ومحمد ربع الذيب شهيد معركة الأثرون
وبالحمد الهاين شهيد معركة القرنه وحسن بوعزيزه المسمارى وعبدالله عاشور
العوامى ومحمد عبدالكريم القطعانى وغيرهم من المجاهدين.
عاصر الفضيل بوعمر وشارك فى
معارك عديدة تحت قيادة البطل عمر المختار المنفى بمنطقة الجبل الأخضر كلها
ومنها معارك وادى السهل ووادى المعلق وعين بوعمود والمناير والمخيلى وسيدى
بوذراع والأثرون والكراهب بسوسه وقرناده وحلوق الجير وجردس الجرارى ووادى
الكوف والغريب ووادى سمالوس والرحيبه وغوط ساسى وحلق بالذبان وبلط
عبدالحفيظ وسيدى بوزيد وغيرها .
قاد الفضيل بوعمر بنفسه
الكثير من المعارك مستعيناً بأركان حربه من ضباط السلاح الحربى وبأعضاء
المجلس الأعلى للأدوار الذين يتواجدون معه وقد كانت آخر معركة يقودها
الفضيل بوعمر بنفسه هى معركة الأثرون الشهيرة سنة 1930 م والتى وقعت فى
فترة كانت الأدوار تعان أشد المعاناة من إنعدام التموين والسلاح بسبب تهجير
قبائل المناطق الشرقية من ليبيا التى كانت تمد المجاهدين وتعاونهم وذلك
إلى معتقلات الإبادة الجماعية فى مناطق العقيلة والبريقة والمقرون وسلوق
وبنينه وغيرها كما كانت قوات العدو قد طبقت منذ هزيمتها الكبرى فى معركة
الرحيبة سنة 1927م أساليب الحرب المستمرة بكتائب تتناوب على ضرب المجاهدين
وتلاحقهم أينما وجدوا مستخدمة فى حربهم كتائب المرتزقة من المسوّع وباندة
عاكف أمسيك العميلة الخائنة وباندات مشكلة من البعض من ضعاف النفوس من قبائل المناطق الشرقية من
ليبيا .
وقد كان إستشهاد الفضيل
بوعمر ضربة موجعة لحركة الجهاد وفى فترة حرجة .. حيث وقعت معه معارك صغيرة
سابقة ومناوشات مدروسة من العدو الإيطالى دفعت جماعته القليلة إلى اللجوء
إلى الوادى الواقع شرق منطقة الأثرون للتحصن به وللحصول على الماء والتموين
.
إستفادت المخابرات
الإيطالية من معلومات نقلها إليها المُخبرون العملاء مفادها أن الدور الذى
يقوده الفضيل بوعمر توزع فى مجموعات ثلاث إحداها تتواجد فى الأثرون يقودها
قائمقام الدور الفضيل بوعمر ، فاستعدت القوات الإيطالية وتحركت لمحاصرة
مجموعة الفضيل وتطويقها بإغلاق جميع المنافذ التى تتوقع نفاذها منها .
تحركت القوات الإيطالية من مناطق القبه ودرنه وسوسه والقيقب وكانت المعركة
الأولى يوم 19/9/1930 ف فى الأثرون حيث أستشهد عدد من المجاهدين الملازمين
للقائمقلم الفضيل بوعمر وبقيت القوات الإيطالية تُحاصر المجاهدين الصامدين
الذين لم يجدوا مناصاً من التخلى عن جيادهم نتيجة لشدة ووعورة المنطقة .
فى فجر اليوم الثانى
20/9/1930 م وعندما كان المُجاهدون يؤدون صلاة الفجر أخذت رشاشات الأعداء
المتمركزون فى المرتفعات الجبلية المحيطة بهم تصب نيرانها عليهم وقد إستبسل
المجاهدون فى الدفاع عن قائدهم الفضيل بوعمر وكانوا يزمجرون قائلين (الكبش
لحم دونه ترزم) مما تسبب فى إستشهاد أغلبهم إذا تقدرهم المصادر التاريخية
الليبية بواحد وخمسين شهيداً ، وأستشهد الفضيل بوعمر قائد المجاهدين ورفاقه
أحمد الغمارى وآدم حمد الحاسى والشريف الكاسح حيث دفنوا فى قبر جماعى ،
بينما إنتشرت جثث الشهداء الأبرار الآخرين الذين حصدتهم رشاشات القوارب
البحرية الإيطالية والطائرات والكتائب المهاجمة لمساحة إمتدت من البحر حتى
قمة الجبل عبر الخانق الجبلى الملتوى الضيق الذى حوصروا فيه .
إشترك فى حصار مجموعة
المجاهدين الذين قادهم الفضيل بوعمر فى معركة الأثرون عدد من أبرز القادة
الفاشست الطليان منهم (رقاستى ـ قائد البندات والكونت قائد المرتزقة
الأرتريين ) كما لا حقتهم قبل المعركة وضيقت الحصار عليهم القوات الإيطالية
المدججة بالسلاح تحت قيادة الضباط الفاشست المشهورين أمثال (إبياتى ـ
روللى ـ لورنستى) وغيرهم .
تذكر المصادر التاريخية
الإيطالية أن المعركة الأولى تمكن المجاهدون فيها من فتح ثغرة فى صفوف
العدو مكنت عمر المختار من الإنسحاب والنجاة من الأسر وهذا يرجح ما ذهبنا
إليه فى معارضة القائلين بأنه كان متواجداً فى المعركة يوم إستشهاد
القائمقام الفضيل بوعمر رحمهما الله وأدخلهما فسيح جناته لما قدموه للوطن
وأبنائه ورحم جميع شهداء ليبيا الأبرار.(إنتهت النبذة التاريخية).
أقول .. لقد أستشهد البطل
الفضيل بوعمر الأوجلى فى معركة شرسة مع الفاشيست وقد كان القتال عنيفاً من
قبل المجاهدين الذين رغم القوات التى أحضرت من شحات ودرنه والقبة والقيقب
إلا أنهم كبدوا العدو خسائر فادحة تجاوزت (500) قتيل بينما أستشهد من
المجاهدين (51) شهيداً وقد إعترف غرسيانى بالهزيمة لكنه قال بأن الإنتصار
هو قتل الفضيل بوعمر الذى لم يصدق الفاشست أنه قتل فى المعركة إلا بعد أن
قطع رأسه وحمل فى علبة صفيح إلى بنغازى ليكون هذا العمل البشع وصمة عار فى
تاريخ إيطاليا الفاشية.
هكذا هى درنه وفية للأوفياء
لا تنسى أبطال ليبيا الشرفاء الذين ضحوا بدمائهم الغالية من أجل تراب
الوطن فهذا الأسد الجسور مستشار عمر المختار هب من أقصى الجنوب دفاعاً عن
الوطن مع أهله فى الشمال .. فهنيئاً له ولرفاقه فهم فى عليين أما الخونة
والعملاء أمثال عصابة عاكف أمسيك ومن على شاكلتهم فهم فى مزبلة التاريخ ، أما
إيطاليا الفاشستية التى إرتكبت أبشع الجرائم فى حق شعبنا وأبطالنا لن ننسى
لها قطع رأس الفضيل بوعمر بعد إستشهاده لأننا نعى التاريخ ونعلم جيداً أن
الأسد لا يهمه قطع رأسه بعد موته فقد قامت بقطع رأس الشهيد يوسف بورحيل
المسمارى وشهيد الكفره سليمان بومطارى .
هذا وقد أعاننا الله سبحانه
وتعالى وبجهود الخيرين والمخلصين إلى شق طريق جبلية يصل إلى القبر الذى
دفن فيه الشهيد الفضيل بوعمر ومعه رفقاؤه الأبطال أحمد الغمارى وآدم حمد
الحاسى والشريف الكاسح الغيثى .
هذا وبعد معركة الليبيين
(معركة القرضابية) كانت معركة الأثرون إحدى معارك الوحدة الوطنية حيث
إمتزجت دماء الليبيين شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً فقد إستشهد بهذه
المعركة أبطال من أهلنا فى درنه وأوجله وأجدابيا والبطنان والمحاجيب من
مصراته أمثال شعيب بومحبوبه المحجوبى وآدم حمد المحجوبى وعبدالسلام
الدرناوى وحسن سعدون السويحلى وسعدون إبراهيم وفرج بوخماده المغربى وخليل
الأوجلى إلى جانب إخوتهم من قبيلة الحاسه وقبائل المسامير والعوامة
والشلاوية وعيت غيث إعبيدات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق