السبت، 8 نوفمبر 2014

بطولات من تاريخ اجدادنا في معتقل العقيله



بطولات من تاريخ

اجدادنا في معتقل العقيله


بوشويشيه
الأستاذ / عمر فرج مصطفى يوشويشينه

بسم الله الرحمن الرحيم



انقل فيما بعد

حديث من أحاديث المعتقل .

قام بكتابتها الأستاذ ( أمحارب بدر الصادق ) على لسان المرحوم ( عبدربه التهامي ) ورفيق المرحوم ( عوض مصطفى بوشويشينه ) في معتقل العقيلة والذي يروي فيه المرحوم عبدربه قصة استعانة المرحوم عوض مصطفى به أثناء قيامه بذبح ناقته في المعتقل وهو شاهد عيان على كل ما جرى للمرحوم عوض بعد انتشار خبر ذبح هذه الناقه في المعتقل ووصول العلم للمستعمرين الطغاة الطليان وتنفيذ الحكم الظالم بحقه،  ولما كانت هذه القصة , قصة تاريخية مؤثرة ومدمعة للعيون ومعصرة للقلوب دماً ، عزمت على نقلها وللتذكير بها لِتتناقلها الأجيال ألاحقه من أحفاد المرحوم عوض وممن هم من لحمته كي لا تنسى وتبقى في ذاكرة التاريخ .

” مع ملاحظة إن هذا الحديث قام بتسجيله الأستاذ أمحارب من فترة وان الحاج عوض لا زال على قيد الحياة في ذلك الوقت “

” يقول الحاج عبدربه التهامي :-

كانت خيمتنا انا وأخي وأختي ملاصقة لخيمة عوض مصطفى , وذات ليلة سمعت صوت خافت يقول ” عبدربه .. عبدربه .. عبدربه أصحا وتعال بسرعة ” , وكنت شاب نشيط في ذلك الوقت , وكان الوقت يقارب من منتصف الليل , وكان الظلام يلف المعتقل , والجو بارد , فنهضتُ بسرعة , وعندما دخلت خيمة عوض وجدته اعد آلة الذبح وعقل ناقته داخل الخيمة وهي ما تبقى من حيواناته …. , فقلت له لا باس يا عوض , فقال ” أريد ذبح ناقتي كي أقتات بلحمها , وأرغمني على ذلك شدة الجوع . وأريدك أن تساعدني فقلت له حاضر ان جاهز , وكان قوي الجسم وبسرعة ذبح الناقه وكان قد اعد حفره كبيره داخل الخيمة لإخفاء الدم والجلد والمخلفات الأخرى وبسرعة سلخناها وكانت جذعه صغيره , ووضعنا ثلاثة أجزاء من اللحم داخل غراير وأخفينا الغراير بحفره داخل الخيمة .

وكانت ارض المعتقل رمليه سهلة الحفر . أما المخلفات وضعناها بالحفرة المعدة لها وغطينا ذلك بالرمل والقش خوفا من اكتشاف العدو لما جرى ومعاقبتنا. أما الجزء الباقي من اللحم قطعناه وأخذت نصيبي منه ووزع منه على الجيران. تم كل ذلك تحت جنح الليل وبعيدا عن الأعين.

ولكن العدو له أعوان عملاء وجواسيس , وفي الصباح انتشر الخبر داخل المعتقل , ووصل جنود العدو والعملاء إلى خيمة عوض واكتشف كل شئ , وحمل الجنود عوض وغراير اللحم إلى إدارة المعتقل , وفتح محضر تحقيق مع عوض , وكانت الاسئله من كان معك ؟ والجواب أنني وحدي . ولماذا ذبحت الناقه ؟ ناقتي ملكي الخاص ذبحتها من شدة الجوع كي اطعم والدتي وجيراني هل في ذلك ذنب ؟

كان رد المحقق نحن جمعناكم هنا لأنكم تقومون بمساعدة المجاهدين , وانتم تستحقون الموت , وصدر الحكم بأن يجلد بالسوط وأمام الجميع , حيث أن المستعمر اعتبر ذبح الناقه جريمة يعاقب عليها القانون .. وباله من ظلم …..
قبل الظهر بقليل وضع فوق الرمال الملتهبة , وجرد من ملابسه عدا ست العوره . وحضر العقاب جمع كبير من المعتقلين .

وحضر الجلادون وكان عددهم ثلاثة , اثنان من العرب والثالث إيطالي . وبدأ التنفيذ وكان هذا المشهد يتكرر يوميا مع آخرين لأتفه الأسباب , وبدأ الجلد وبقسوة وظلَ عوض صابرا شجاعا لم يصدر منه آي صوت أو استغاثة . انتهت المرحلة الأولى وهي خمسون سوط ……

وقبل المرحلة الثانية كانت تعطى فتره قصيرة من الوقت مابين الجلادين , فاقتربت من عوض وقلت له هل أنت بخير , فقال نعم انا بخير .

وبدأ الجلاد الثاني بالتنفيذ وكان اشد قسوة من الجلاد الأول . فشاهدت الدم يسيل من جسم عوض وكان الغبار يلف جسمه مما يجعله يختفي عنا أحيانا …..
وشاهدت عوض واضعاً يديه بين فخذيه أثناء الجلد .

انتهى دور الثاني … وفي تلك الفترة اقتربت من عوض مره أخرى , وكان جسمه ينزف دماً فقلت لهُ هل أنت بخير ؟

فقال مازلت بخير . فقلت لهُ لما تضع يديك بين فخذيك هل أصابك السوط فقال : لا ولكن السر سوف أطلعك عليه إذا أحياني الله . إنه شجاع ,صبور لم يصدر منه أي صوت أو استغاثة كما سبق مما حكم عليهم بالجلد قبله.


بدأ دور الجلاد الثالث وهو الإيطالي وقبل أن ينتهي من الجلد وصل دكتور المعتقل ونظر إلى جسم عوض فوجدتهُ ينزف دماً وتسلخت أجزاء من لحمه .

أوقف الدكتور الجلد وأمر بنقله وبسرعة إلى مستشفى المعتقل . لان حالتهُ أصبحت خطره وتحتاج إلى إسعاف سريع . حملهُ الجنود فوق نقاله من الخشب وكان فاقد الوعي .. وضع في المستشفى , وبعد إجراء الإسعاف دخلت عليه وتألمت لحالته وأخذت ابكي بصوت مسموع , أثناء ذلك استرد لهُ وعيه وسمعني وقال اسكت ياعبدربه انا بخير والأعمار بيد الله . اذهب وبلغ والدتي وطمنها ولا تشغل احد .

بقى عوض بالمستشفى مايقارب من ثلاثة أشهر تحت العلاج وكان ينام على بطنه من شدة الم الجروح اغلب هذه الفترة وتشقق جسمه من اثر الضرب وعندما شفاه الله وخرج من المستشفى قلت لهُ تتذكر ياعوض عندما كنت تجلد كنت واضعاً يديك بين فخذيك , وعندما سألتك قلت لي السر سوف أطلعك عليه فما هو هذا السر ؟

فضحك وكان يحب المزاح وقال لي كنت افعل ذلك لأنني خفت أن يطلني السوط , ربما تسبب لي ضرراً في المستقبل إن أحياني الله …….

كما كنت في تلك أللحظه أتمنى ان يكون لي عمر وصحة جيده ويذهب عنا هذا الاستعمار الظالم ونبني بيت ويكون لي أولاد نحكي لهم ألامنا ومُعاناتنا هذهِ ياعبدربه , فقلت لهُ بعون الله سيتحقق ذلك ياعوض …….. .

يقول الأستاذ أمحارب أخذت انظر إلى الحاج عبدربه فلاحظتهُ واضعاً يده على جنبيه , و لا حظت الدموع تسيل محاذاة انفه فمسحها بيده الأخرى …..
ونظر إلي وقال إنهُ ابشع ظلم يُضرب رجل ذبح ناقته ملكهُ الخاص . إنه لم يسرق ولم يتعدى على أحد .

نطلب من الله العلي القدير ان يعوضنا خيرا على ما عانيناه من آلام وظلم وحرمان خلال تلك الفتره ؛ فترة الاستعمار البغيض . ثم استدرك وقال من لا بصدق هذا الكلام فليذهب إلى عوض وهو على قيد الحياه وينظر الى جسمه سيجد آثار الضرب مثل اكل النار .

رحم الله كل من المرحوم عوض والمرحوم عبدربه وان يسكنها فسيح جناته ويزيدهما في ميزان الحسنات عن كل المعاناه والآلام التي مرت بهما خلال فترة الاستعمار .

كما أنني اتقدم بالشكر والتقدير الاستاذ إمحارب بدر الصادق على قيامه بتسجيل هذا الحديث الذي جرى بينهُ وبين الحاج عبدربه التهامي .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

كتبها :الحاج محمود انويجي مصطفى بوشويشينه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق