النفط: حربُ أسعار أم حربُ حصص؟
14/12/2015
د. فرج أحمد قرمان
إذا أرادت المملكة العربية السعودية أن تضع حداً لانهيار أسعار
النفط العالمية، فإنها تستطيع أن تفعل ذلك بالإعلان عن خفض إنتاجها من
النفط الذي يتجاوز حالياً التسعة ملايين برميل في اليوم الواحد. العديد من
المراقبين في الغرب يرون أن المملكة السعودية، إلى جانب رغبتها في المحافظة
على نصيبها في السوق العالمية، ترغب في إلحاق الضرر بمنتجي النفط الصخري
(Shale Oil) في الولايات المتحدة إلى جانب رغبتها في تحطيم إيران وربما
روسيا أيضاً. هذا على الرغم من أن انخفاض سعر البرميل الذي انخفض سعره من
149 دولاراً في يوم ما إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل هذه الأيام الأمر
الذي يعني خسارة السعودية ما يقارب المليار دولار في اليوم الواحد. هذا
المليار بالطبع يبقى في خزائن الدول المُستهلكة بدل أن ينتقل لخزائن
السعودية. بالرغم من كبر حجم هذه الخسائر، إلا أن
السعودية لها القدرة على الصمود لأسباب لعل من أهمها الرُخص النسبي لتكلفة
إنتاج نفطها ولإمتلاكها لإحتياطيات نفطية كبيرة نسبيا،ً إلى جانب أن
إحتياطياتها من النقد الأجنبي تُمكنّها من الصمود في وجه هذه الموجة من
انخفاض الأسعار، لمدة لا تقل عن ثلاثة سنوات قادمة.
السبب الرئيسي وراء إنخفاض أسعار النفط في السوق العالمية هو
زيادة المعروض منه وعدم زيادة الطلب عليه. والسبب الرئيسي وراء زيادة العرض
هو الزيادة غير المتوقعة في إنتاج النفط الصخري (Shale Oil) في الولايات
المتحدة وكندا وعدم قيام منظمة الاوبك ولا روسيا بخفض إنتاجهما للمحافظة
على مستوى الاسعار، بل على العكس من ذلك قامت كل من السعودية وروسيا بزيادة
إنتاجهما بُغية المحافظة على حصصهما في السوق العالمية. فبدلاً من تخفيض
إنتاجهما قامتا بتخفيض سعر نفطيهما.
إنها الحرب إذاً، حرب حصص (Market share) وليست حرب أسعار، فلا
أحدٌ من المنتجين يرغب في خفض سعر نفطه. ستستمر هذه الحرب حسب توقعات
العديد من المراقبين والخبراء وسيصل سعر برميل النفط خلال السنة القادمة
إلى أقل من 20 دولاراً للبرميل. ونتيجة لذلك، سيخسر قطاع الصناعة في
الولايات المتحدة المليارات من الدولارات وسيخسر الملايين من الأمريكيين
وظائفهم وستكون السنة القادمة، سنةٌ كارثية على الإقتصاد العالمي كله.
ليست المرة الأولى التي تهبط فيها أسعار النفط بهذا الاطراد، ففي
سنة 2008 كانت المرة الأولى في التاريخ التي تهبط فيها أسعار النفط بأكثر
من خمسين دولارا في البرميل في أقل من سنة. كان ذلك قبل حدوث الأزمة
المالية العالمية في الربع الأخير لتلك السنة. العديد من الخبراء يتوقعون
حدوث أزمة إقتصادية عالمية جديدة وربما تكون أقوى من الأولى.
البعض يراها حرباً ثلاثية بين كل من منظمة الأوبك وروسيا وأمريكا
الشمالية (الولايات المتحدة وكندا). فليس من المتوقع أن تخفض الأوبك
إنتاجها بل ستقوم بزيادته وروسيا كذلك، لن تخفض إنتاجها بل زادته فعلاً.
على خلفية أن الأوبك و روسيا لا يرغبان في فقد حصتيهما في السوق، فماذا عسى
منتجو النفط الصخري العالي التكلفة، في أمريكا الشمالية أن يفعلوا
للمحافظة علي حصتهم في السوق؟
من النتائج غير المباشرة لتزايد الكميات المعروضة من النفط في
السوق العالمية، أن تم استخدامه كسلاح في وجه الدول المنتجة بذل أن كان
سلاحاً في أياديها. فلقد حضرت الدول الغربية استيراد النفط الإيراني
لأسباب سياسية وتُهدد ليبيا بحضر استيراد نفطها لإجبار الليبيين على وقف
القتال والركون للحوار.
لماذا انخفضت أسعار النفط بهذا الشكل المطرد؟
في شهر يونيو سنة 2014، كان سعر خام برنت 115 دولاراً للبرميل،
وصل في شهر يناير الماضي إلى 49 دولاراً للبرميل. لنفهم القصة بشكل جيد
علينا العودة لسنة 2000 حيث إرتفعت أسعار النفط بشكل حاد نتيجة لإزدياد
الطلب خاصة من قبل الصين، في الوقت الذي لم يقابل ذلك زيادة في الإنتاج
العالمي ولكن الأسعار راوحت في حدود المائة دولار للبرميل في الفترة ما بين
سنة 2011 و2014.
بازدياد أسعار النفط العالمية وجدت بعض الدول كالولايات المتحدة
وكندا أنه من المُربح أن يتم إستخلاص النفط من الصخور (Oil Shale) باستخدام
تقنيات عالية التكلفة نسبيا،ً مثل الحفر الأفقي (Horizontal Drilling)
والتكسير بالضغط المائي (Hydraulic Cracking or Fracking). وهكذا، أصبحت
الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، تساهم بأربعة ملايين برميل إضافية في
الإنتاج العالمي الذي يفوق 75 مليون برميل يومياً. ولكن هذه الإضافة لم
تنعكس على الأسعار إلا مؤخراً بسبب الحروب في كل من ليبيا والعراق وبسبب
مقاطعة النفط الإيراني من قبل الدول الغربية.
لقد تسبب انخفاض أسعار النفط بهذا القدرغير المتوقع، في انفراج
إقتصادي في العديد من الدول المستهلكة له مثل اليابان وتركيا وفي الولايات
المتحدة حيث وصلت أسعاره في محطات توزيعه، إلى أقل مستوياتها مند عدة سنين.
ولكن الأمر يختلف بالنسبة لدول يعتمد اقتصادها على حجم مبيعاتها من
النفط. فدول مثل روسيا وإيران وفنزويلا وليبيا على سبيل المثال، تواجه
أوقات حرجة. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فهي قادرة في المدى
المنظور، على تحمل انخفاض الأسعار رغم تكبّدها خسائر تفوق المليار دولار
يوميا كفرق في سعره في السابق وسعره الآن.
ليبيا حالياً، تُعاني من معضلتين شاء القدر أن يتزامنا وهما زيادة
كميات النفط المعروضة في السوق العالمية والتدني الكبير في معدل إنتاجها
من النفط بسب عدم سيطرة الدولة على حقول النفط وموانئه، ففقدت يذلك حصتها
في السوق وتدنّت عائداتها إلى مستوى يُندر بحدوث كارثة اقتصادية في
المستقبل المنظور. بلُغة الأرقام، فقدان ليبيا لأكثر من مليون وثلاثمائة
ألف برميل يومياً من حصتها في السوق العالمية يعني خسارة قدرها 23 مليار
دولار سنوياً بأسعار النفط الحالية (50 دولار للبرميل).
حفظ الله ليبيا
د. فرج احمد قرمان
fargarmn@yahoo.com
fargarmn@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق