الملك ادريس السنوسي ما له وما عليه
ياسين ابوسيف ياسين
23/1/2015
الملك ادريس السنوسي.. كتبت دوما ما له.. ولم أكتب يوما ما عليه..
وما له كان أكثر وأعم نفعا مما عليه.. ولكي أكون منصفا للرجل وتاريخه
وسيرته الحميدة.. بحسناته وسيئاته بأقواله وبأفعاله.. ليس بد من ذكر ما
اعتراه من نقائص.. محمد ادريس السنوسي بشر يخطئ ويصيب.. وليس منزّهاً عن كل
العيوب.. ولكن كما يقول الشاعر:
وعينُ الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ... ولكن عينَ السخطِ تبدي المساويا
ومن العيوب التي جرّت على البلاد الوبال تمسكه برأي في غير محله
وكان المجاهدون القدامى يصفونه بأنه يحمل قلباً أسود لا ينسى الإساءة..
وكثيرا ما كان يصدر أحكاما قاسية على المجاهدين لأسباب تافهة فيأمر بحبسهم
او بجلدهم.. ويحكى أنه أمر بجلد أحد المجاهدين الكبار مائة جلدة فما كان
من المجاهد إلا أن صاح بأعلى صوته: ياسيدي إما انت لم تذق طعم السوط وإما
انت لا تجيد الحساب.. لأن مائة جلدة بالسوط السوداني كفيلة بالقضاء عليه..
كما يحكى أنه حبس مجاهدا آخر في جب بئر سحيق ولم ينقذه من الموت إلا مجاهد
آخر انقذه بقوة السلاح عنوة.
ومن التاريخ الذي عاصرته وشهدته بعض الوقائع التي تدل على قساوة
قلبه وأنه يستمع ويصغي السمع الى أقاويل الناس بدون تدقيق أو تمحيص وأنه
سريع الغضب شديد الانتقام.. والشواهد عندي كثيرة.. ومنها قصة إعفاء حسين
مازق والي برقة بسبب زيارة ماليزيتي المستوطن الايطالي السابق دون استيضاح
للحقيقة الكاملة..
ومنها عزل والدي من نظارة الداخلية بسبب الدكتور
الايراني كلساتنه دون أن يتوقف على حقيقة ما حدث وأنه استمع الى طرف واحد
يحمل أحقادا دفينة.. ومنها ما حدث مع أسرة المجاهد الكبير السيد أحمد
الشريف السنوسي بسبب مقتل ابراهيم الشلحي.. ولقد جرت هذه الواقعة الأخيرة
الى كثير من النكبات تلو النكبات.. أولا أخذ قوما بجريرة ذنب لم يقترفوه
ولا كان لهم ضلع فيه فتخلى عن ركن أساسيٍ في ديننا الحنيف " ولا تزروا
وازرة وزر أخرى " ثانيا نتج عن ذلك معاقبة العائلة السنوسية وبخاصة من
تعاطف منهم مع عائلة السيد أحمد الشريف حرمان البلاد من خدمات رجال أفاضل
قل أن يجود الزمان بمثلهم.. وعلى سبيل المثال لا الحصر أنه حرم من ولاية
العهد السيد الصديق رضا المهدي السنوسي مع أنه كان يملك من الحكمة والعلم
الشيئ الكثير وكان يملك عقلا راجحا ونفوذا قويا عند عامة الشعب إذ سبق له
ان تولى نائب رئيس المؤتمر الوطني البرقاوي سنة 1948 مع والده السيد الرضا
فأحسن إدارة جلساته الذي توج أعماله باستقلال برقة ثم ليبيا كلها فيما
بعد.. وكان الأكبر والأجدر بولاية العهد.. وليس ذلك طعنا في أخيه الأصغر
السيد الحسن الرضا فهو أيضا على مستوىً كريم من الخلق الطيب والتواضع الجم
ولكنه لا يرقى الى مستوى السيد الصديق من حيث الحزم والقدرة على تحمل
المسئولية.. ولا شك أن الملك بهذا التصرف قد حرم ليبيا من حكمة رجل قد
تحتاجه يوما..
وهو ما حدث فعلا.. فقد حكى لي السيد معتوق آدم - آخر وزير
داخلية في العهد الملكي - أنه حدث أمر طارئ أثناء غياب الملك فاتصل رئيس
الوزراء السيد ونيس القذافي بولي العهد طالبا المشورة فأجابه أنه لا يستطيع
أن يبدي رأيا قبل استشارة الملك وطلب منه الانتظار حتى الصباح.. والقرار
العاجل الذي ترتب عليه الحياة أو الموت لا يستطيع الانتظار..
والطامة
الكبرى حين يجتمع على قمة الهرم السياسي.. هرم السلطة شخصان أحدهما ولي
العهد ونائب الملك والآخر رئيس الوزراء وكلاهما يحتاج الى شخص أقوى فيستمد
منه القوة مع الحزم والجرأة مع حسن التصرف.. سمو ولي العهد لم يُجرب في أي
أزمة خانقة إلا الأزمة الأخيرة وفشل في إدارتها.. ورئيس الوزراء ونيس
القذافي كذلك كان دائما مرؤسا يعمل في الظل لا رئيساً قوياً يعمل في
الجهر.. هو إداري جيد له مقدرة فائقة ولكنه لم يكن يصلح بدون رئيس يلجأ
اليه عند حدوث الأزمات كما كان يحدث في الماضي مع السيد حسين مازق.
وما من شك في أن وفاة ابراهيم الشلحي ناظر الخاصة الملكية وكاتم
أسرار الملك وخادمه المخلص المطيع قد بيّن ثغرة في سلوكيات الملك مما يصعب
رأبها.. وحزنه عليه كان كبيرا بحجم الوطن.. ولا شك أن إبعاده لشيوخ العائلة
السنوسية وعقلائها قد أفقده كثيرا من النصح والمشورة التي كان يحتاجها..
ويحتاجها الوطن أكثر منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق