السبت، 2 نوفمبر 2013

حول مبادرة العودة للشرعية الدستورية رد على حديث الأستاذ موسى فرج


حول مبادرة

العودة للشرعية الدستورية

رد على حديث الأستاذ

موسى فرج




39af013e4f6171d2bcf612d05e37414a_174[1]

بقلم / د . يونس فنوش

كتب الأستاذ موسى فرج، عضو المؤتمر الوطني، مبدياً وجهة نظره حول الجدل والحوار الدائر في الساحة السياسية، فيما يتعلق بمسألة انتهاء ولاية المؤتمر الوطني والحاجة إلى بديل عنه، وركز في حديثه على المبادرة التي تنادي بالعودة إلى الشرعية الدستورية وتفعيل العمل بدستور دولة الاستقلال، وفق آخر صيغة انتهى إليها في 31 أغسطس 1969، وقد لفت نظري من حديثه بالتحديد ما يلي:


1)      قوله إن كثيرين ممن يتحدثون عن خيار العودة لدستور المملكة لم يطلعوا أصلا على هذا الدستور ولا يعرفون كم عدد المواد التي ستحتاج للإلغاء والتعديل… ولا ما هي الأسئلة والجدل الذي سيملأ الساحة حول كثير من المواد.


2)      أن المسألة تحتاج لحوارات معمقة متحررة من مثالب الانسياق وراء دعوات غير ناضجة أو محاولات غير بريئة قد تقود البلد إلى وضع مجهول.

ولي على هاتين النقطتين من حديث الأستاذ موسى رد ألخصه في الآتي:


أولاً – قوله إن كثيرين ممن يتحدثون عن خيار العودة لدستور المملكة لم يطلعوا أصلاً على هذا الدستور…إلخ هو قول مطلق على عواهنه، ولئن كان صحيحاً بالنسبة للبعض، فإنه بكل تأكيد غير صحيح إطلاقاً بالنسبة لمن قدموا المبادرة وعرضوها على الرأي العام وعلى المؤتمر الوطني، وتحدثوا عنها بالتفصيل في مختلف المحافل السياسية والإعلامية. فهؤلاء لم يكونوا من السذاجة والغباء بحيث يطرحون مثل هذا الطرح، دون أن يكون لهم ما يؤسسون عليه طرحهم من أسانيد ومبررات، في مقدمتها العلم بفحوى الشيء الذي يطرحونه بديلاً، ويبنون عليه تصورهم لإيجاد مخرج للبلاد من الأزمة السياسية التي تعيشها الآن، وسوف تودي بها إلى هاوية من الفراغ لو حلت المهلة لانتهاء ولاية المؤتمر الوطني، دون إيجاد توافق وطني حول البديل.


إن من ينادون بالعودة إلى الشرعية الدستورية لم يفعلوا ذلك إلا بناء على معرفة تامة بدستور دولة الاستقلال، في صيغتيه الأولى والمعدلة، وقناعة ترسخت لديهم بأنه دستور متكامل، بل متقدم جداً في بعض أبوابه، عن العصر الذي أنشئ فيه، وأن ما قد يكون فعلاً بحاجة إلى إعادة نظر فيه لا يتجاوز ذلك الجانب المتعلق بالسلطات التي يخولها الدستور للملك. ومن نادوا بالعودة إلى دستور الدولة الذي كان نافذا في 31 أغسطس 1969، وضحوا بجلاء أنهم لا يقصدون بذلك العودة إلى تبني نظام الحكم الملكي، أو فرض نظام حكم معين على الشعب الليبي، لأن الشعب الليبي وحده هو من يملك تقرير ذلك، من خلال استفتاء عام، يؤخذ فيه بما توافق عليه أغلبية كبيرة من الليبيين. وهؤلاء المنادون بالعودة إلى ذلك الدستور يعلمون بالضبط والتحديد عدد المواد التي سوف تحتاج إلى إعادة نظر بالتعديل أو الإلغاء، سواء رجح رأي الشعب الإبقاء على نظام الحكم ملكياً، فيتجه التعديل إلى جعل الدستور يتوافق مع مفهوم وآليات (الملكية الدستورية)، التي يمارس فيها الملك سلطات أدبية ومعنوية ورقابية، وتخول السلطات التشريعية والتنفيذية للبرلمان والحكومة التي تشكلها الأغلبية البرلمانية، أو رجح الشعب تبني نظام الحكم الجمهوري، الرئاسي أو البرلماني، فيتجه التعديل إلى تخويل جزء من سلطات الملك إلى رئيس الجمهورية، فيخول الجزء الأكبر منها إلى رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب، إذا مال خيار الشعب لنظام الحكم الجمهوري الرئاسي، ويخول الجزء الأقل منها إلى رئيس الجمهورية المنتخب من مجلس الأمة، إذا اتجه الخيار إلى نظام الحكم الجمهوري البرلماني.


أما الحديث عن الأسئلة والجدل الذي سيملأ الساحة حول كثير من المواد، فهو حديث قد تجاوزته الساحة بالفعل، فمنذ طرح مبادرة العودة إلى الشرعية الدستورية، أخذت الأسئلة تدور وتطرح، وأخذ الجدل يحتد ويحتدم، وقام أصحاب المبادرة وغيرهم بالرد على تلك الأسئلة بكثير من التفصيل، على نحو أحسب أنه بات كافياً، وأنه لم يعد ثمة أسئلة تطرح، أو جدل يدور، بل بات الأمر مسألة قرار يتخذ في هذا الاتجاه أو ذاك.


ثانياً – قوله إن المسألة تحتاج لحوارات معمقة متحررة من مثالب الانسياق وراء دعوات غير ناضجة أو محاولات غير بريئة قد تقود البلد إلى وضع مجهول، فهو مرفوض ومستهجن في الوقت ذاته. ولئن قبلنا وصفه لهذه الدعوة للعودة إلى الشرعية الدستور بأنها “غير ناضجة”، فإننا نرفض تماماً قوله إنها (محاولات غير بريئة)، ففي هذا اتهام صريح لنوايا الداعين لهذه المبادرة بأنها تهدف بقصد مبيت ومعلوم لقيادة البلد إلى وضع مجهول.


إن الداعين لمبادرة العودة للشرعية الدستورية هم أبعد ما يكونون عن أن يوصفوا بأنهم من ذوي النوايا المشبوهة أو غير البريئة، فمعظمهم، إن لم نقل كلهم، ليسوا أصلاً ذوي مصالح يحرصون على دوامها، أو تجارة يخشون كسادها، أو نفوذ يخشون زواله، وإنما هم أصحاب موقف وطني سام، لا يدفعهم إلى المبادرة إلا خشيتهم من انتهاء الدولة إلى وضع مجهول، وقناعتهم بأن العودة إلى الشرعية الدستورية هي عودة إلى وضع معلوم، نتخذه منطلقا لمرحلة جديدة من مراحل بناء الدولة، نضع فيه أقدامنا على أرضية متينة صلبة، واضحة المعالم، ثم ننطلق إلى رفع قواعد البنيان في مرحلة انتقالية متسعة ومريحة، نتيح فيها لأنفسنا بيئة أفضل لإعادة النظر في أولويات بناء الدولة، فنضع على رأس سلم الأولويات مسألة الأمن، وتكريس كل الجهود والمقدرات لبناء المؤسستين العسكرية والأمنية، كي تتوفر الظروف المناسبة لمن يريد أن يبني أو يتحاور أو يخطط.. ونتيح لأنفسنا في الوقت نفسه فرصة كافية لإدارة الحوار الوطني الذي سوف نحتاجه لإيجاد مختلف التوافقات السياسية حول القضايا التي قد تكون قضايا خلافية، لا يجوز الحسم فيها بمعيار الأغلبية والأقلية، لأنها قضايا تتعلق بمحتوى العقد الاجتماعي الذي يتخذه الليبيون أساساً لتعايشهم معاً في مجتمع واحد، وتحت راية دولة واحدة، تحفظ لهم الحقوق والحريات الأساسية والعيش الآمن تحت سيادة قانون يسري عليهم جميعاً، على قدم المساواة، دون تمييز بينهم لأي سبب من الأسباب.


إن مبادرة العودة للشرعية الدستورية هي إحدى المبادرات الوطنية، التي لا نشك مطلقاً في أنها جميعها تنطلق من حس وطني، وحرص عال على مصلحة الوطن والثورة، ورغبة مخلصة في المساهمة في البحث عن حل. ولقد وددت لو أن الأستاذ موسى فرج، وغيره، ممن قد يرون رأيه، تريثوا قليلاً في إطلاق هذه الأحكام، ووددت لو أنه اقتصر على التعبير عن وجهة نظره الرافضة لمبادرة العودة إلى الشرعية، وبين مبررات رفضه وأسسه، ولم يتمادى في اتجاه التخوين أو الاتهام..  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق