الصورة ليست كلها قاتمة.... هناك نقاط مضيئة ..
الصورة ليست
كلها قاتمة.... هناك نقاط
مضيئة ..
بقلم : د . يونس فنوش
في
وسط هذا الركام المتزايد من مظاهر العرقلة والتخبط والانحراف عن المسار
الذي كان مأمولاً للثورة، ومن وسط تلك الغيوم السوداء التي باتت تخيم على
سماء بلادنا، حتى تحجب عنا ضوء الشمس الساطع، الذي يفترض أن يساعدنا في
الحصول على رؤية أفضل، تبرز نقاط مضيئة، تفتح ثغرات في جدار الغيوم
السوداء، لتسمح بضوء الشمس أن يمر، عسى أن يبلغ عروق الحياة في نبتة الثورة
والحرية، فيمنحها بعض الأمل في الحياة والنمو، ولو كان نموا بطيئاً، أقل
سرعة مما كنا نأمله ونرجوه....
فمنذ
قليل كنت أتابع تقريراً إخبارياً في قناة ليبيا لكل الأحرار، استمعت خلاله
لأحد الأساتذة المختصين في مجال تقنية الاتصالات والمعلومات، يتحدث عن
البرنامج الطموح الذي يجري إعداده هذه الأيام لتحويل جامعة بنغازي إلى
جامعة (إلكترونية) –إذا صح التعبير- أو بتعبير آخر: جامعة رقمية لا ورقية..
يتكون من إنشاء قاعدة بيانات شاملة لكل ما يتعلق بالجامعة، سواء في الجانب
الإداري أو التعليمي، ثم ربط الجامعة كلها: بجميع كلياتها وأقسامها
بمنظومات متخصصة مترابطة، تتيح للإدارة إنجاز كل المعاملات الإدارية من
خلال منظومة الحاسوب، وتتيح للطلاب إنجاز إجراءات القيد وتجديده وتسجيل
المواد والاطلاع على النتائج..وما إلى ذلك، عن طريق المنظومة، دون الحاجة
إلى التردد الشخصي على الجامعة، وتتيح للأساتذة إدارة العملية التعليمية
والعلاقة بينهم وبين طلابهم عن طريق الحاسوب: بدءاً من تحديد المقررات
الدراسية، ومناهجها، والمراجع التي ينصح الطالب بالاطلاع عليها، وتحميل
المواد التعليمية المطلوب دراستها، والتواصل مع الأساتذة في كل ما يتعلق
بالعملية التعليمية: الحضور والغياب، استلام مقررات الواجبات المنزلية،
وتسليم الإجابات واستلام النتائج وتعليقات الأساتذة ..
وعلى
الرغم من أن جامعة بنغازي تسعى لإنجاز هذه الخطوة المهمة متأخرة بما يقرب
من سبع سنوات على الموعد الذي كان ينبغي أن تكون قد أنجزت فيه، وهو أوائل
سنة 2006، حسب ما حدثني به الدكتور محمد سعد امبارك، الذي كان يتولى رئاسة
الجامعة في تلك الفترة، ولكن الحوادث والملابسات التي أدت إلى إبعاده عن
الجامعة حالت دون إنجاز المشروع الذي أخبرني أنهم كانوا قد قطعوا في
أشواطاً ممتازة، وأنه أعلن في وسائل الإعلام آنذاك أن جامعة بنغازي
(قاريونس في ذلك الوقت) سوف تتحول بالكامل إلى جامعة رقمية بحلول أول يناير
سنة 2006.... أقول على الرغم من أن الخطوة تأتي متأخرة، إلا أنها تظل خطوة
مهمة وممتازة، يحق لنا أن نعتبرها نقطة مضيئة في سماء بلادنا الملبدة
بالغيوم..
ولعلي
أشير في هذه العجالة إلى ما تعرضت له من نقد واستهجان، وأحيانا سخرية
واستخفاف، عندما تحدثت عن أن أحد الحلول العملية الفعلية لما نعانيه من
مظاهر المركزية الإدارية يكمن في التوجه إلى تبني نظام الحكومة
الإلكترونية، التي تتيح للمواطن، أينما كان، أن يتواصل مع الإدارات
الحكومية المختلفة، وإتمام ما يلزمه من إجراءات، وقضاء ما يحتاج إلى قضائه
من مصالح، من خلال الدخول إلى المنظومة الإلكترونية، بواسطة جهاز الحاسوب
الثابت أو النقال، بل بواسطة جهاز الهاتف النقال، وهي عملية يمكن أن تتم
بمعزل عن كل عوامل الجغرافيا؛ إذ يمكن للمواطن الليبي، أينما كان خارج
الوطن، ولو في ما يبدو لنا أقاصي الدنيا، أن يدخل إلى المنظومة، وينجز ما
يريد إنجازه من مصالح وإجراءات، ويحصل على ما يريد الحصول عليه من معلومات
أو بيانات.
ولقد
سمعت خلال هذا التقرير الذي أتحدث عنه أن العمل على إنجاز هذا التحول
التاريخي في مفهوم ومسيرة الإدارة في جامعة بنغازي، جار على قدم وساق، وأنه
قد ينجز تماماً بحلول منتصف سنة 2014.
إذن
.. هذا يثبت أن تجهيز البنية التحتية العلمية والفنية لمثل هذا التحول بات
أمراً ممكناً، بل ميسراً ومتاحاً، فما تنجزه جامعة بنغازي، سوف يكون
بالإمكان بسهولة فائقة تعميمه وإنجازه في سائر الجامعات الليبية، بل في
سائر المؤسسات التعليمية في كل أنحاء الوطن.
بالطبع
هذا الإنجاز نفسه يمكن بالطريقة ذاتها، وبالسهولة ذاتها، أن ينفذ ويطبق
على سائر إدارات الدولة ومؤسساتها. ولنا أن نتخيل ما يمكن أن يحدثه ذلك من
نقلة نوعية مذهلة في حياتنا، عندما نبلغ تلك الدرجة التي نحلم بها من
(ميكنة) إجراءاتنا الإدارية، في مختلف المجالات والقطاعات، فلا يعود أحدنا
بحاجة لا إلى معاناة التنقل إلى مقرات الإدارات ومكاتبها فحسب، بل إلى تكبد
متاعب السفر وتكاليفه إلى حيث توجد مقرات الإدارة الرئيسة خارج محل سكناه
وإقامته.
بيد
أن الجانب التقني الفني من العملية سوف يتبين أنه الأسهل والأيسر منالاً
وإنجازاً، لأن الإدارة الإلكترونية ستظل بحاجة إلى من يديرها ويستعملها،
وهنا يأتي دور العامل البشري، فالإدارة الإلكترونية لن تكون مجدية وقابلة
للتنفيذ، ما لم يوجد البشر القادرين على استخدامها لتحقيق وإنجاز ما وجدت
من أجله... ولعل هذا الجانب سوف يكون الجانب الأكثر صعوبة، لا سيما إذا ما
وضعنا في حسابنا ما سوف يواجهه الأمر من مقاومة شديدة لدى المواطنين
عموماً، ولدى الإداريين بوجه خاص، بسبب ما يسمى (الأمية التقنية)، وهي
المعرفة والدربة اللازمة للتعامل مع الحاسوب وشبكة المعلومات العنكبوتية.
ومع
ذلك فهذا الجانب أيضاً لن يكون بالغ الصعوبة، إذا ما توفرت الإرادة
السياسية لإنجازه.. ولعلنا نذكر جميعنا كيف تمكنت المفوضية التي أشرفت على
إدارة انتخابات المجلس المحلي في بنغازي، وبعدها المفوضية العليا لانتخابات
المؤتمر الوطني، من إدارة العملية الانتخابية، في جميع مفاصلها وجزئياتها،
بطريقة إلكترونية، بدءاً من إدخال البيانات في المنظومة، وإتاحة النماذج
الإدارية المطلوب ملؤها على الشبكة، وإمكانية إرسالها إلى الإدارة المسؤولة
إلكترونيا...
وعشنا
ما تم إنجازه في مجال السجل المدني، إذ أدرجت كل البيانات المتعلقة
بالعائلات الليبية في منظومة السجل، وتمكنت المصارف من إنجاز المعاملات
المالية من خلال الاتصال بالمنظومة بكل سهولة ويسر..
أما
ما عشناه فيما يتعلق بالرقم الوطني، فقد فاق بكل تأكيد حتى أحلام أكثر
المتفائلين، فقد أمكن أن يحصل كل مواطن على رقمه الوطني من خلال إرسال
رسالة نصية قصيرة، من هاتفه النقال، إلى رقم معين، فتأتيه على الفور
الأرقام الوطنية لكل أفراد العائلة .
إذن
هذا يثبت أن التحول إلى الحكومة الإلكترونية لم يعد مجرد حلم أو خيال
علمي، بل أصبح أمراً واقعاً نعيشه ونلمسه ونجد منافعه وجدواه..
ولقد
سمعت الخبير الذي تحدث عن مشروع ميكنة جامعة بنغازي، يتحدث عن أن الأستاذ
الجامعي سوف يتحول بدوره إلى ما قد نسميه (الأستاذ الإلكتروني)؛ إذ يصبح
بإمكان الأستاذ أن يضع على موقعه أو موقع القسم الذي يعمل فيه المناهج
الدراسية، كي يطلع عليها الطلاب، ويحملوها في أجهزتهم أو ينزلوا منها نسخاً
مطبوعة، وبإمكانه تحميل الدروس والواجبات والامتحانات على الشبكة، ثم
استقبال إجابات الطلاب وتصحيحها ورصد الدرجات لها.
وهذا
أيضاً يذكرني بما تعرضت له من نقد وسخرية عندما نشرت في فترة سابقة مقالة
بعنوان (نحن والوزير الإلكتروني)، تحدثت فيها عن أننا يمكن نصل إلى تلك
المرحلة التي يصبح بإمكان الوزير أن يتعامل مع مختلف شؤون وزارته وإدارتها،
من خلال جهاز الحاسوب الخاص به المزود بخط على الشبكة العالمية، ويصبح
بإمكانه التواصل مع وزارته وإنجاز مهامها على مدار الوقت: 24 ساعة في
اليوم/7 أيام في الأسبوع/12 شهر في السنة، أي مدى الدهر، ما دامت هناك شبكة
كهرباء وشبكة إلكترونية عاملة.. وكذلك أينما كان، لا خارج مكتبه في
الوزارة فحسب، بل حتى خارج حدود الوطن..
فلنمنح
أنفسنا هذه الفرصة الصغيرة للشعور ببعض الأمل.. فعلى الرغم من أن الصورة
في هذه اللحظة قاتمة ومظلمة، وسماءنا ملبدة بالغيوم السوداء... فإن ثمة
بصيصاً من الأمل، علينا أن نتشبث به، ونصر على السير نحوه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق