جمعه سالم الأربش رجل من رجالات الوطن الأوفياء والمخلصين
بسم الله الرحمن الرحيم
المرحوم / المهندس
جمعه سالم الأربش
رجل من رجالات الوطن الأوفياء والمخلصين
تم نشر هذا الموضوع فى 17 ديسمير 2010م
بقلم المهندس / فتح الله سرقيوه
قال الله تعالي
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )
صدق الله العظيم
رحمك الله أيها الرجل الصادق الوفى.
عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَنَا أُحَرِّكُ شَفَتَيَّ، فَقَالَ:”مَا تَقُولُ يَا أَبَا
أُمَامَةَ؟”قُلْتُ: أَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ:”أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا
هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذِكْرِكَ اللَّهَ اللَّيْلَ مَعَ النَّهَارِ؟ تَقُولُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا
خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الأَرْضِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ كُلِّ
شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَتُسَبِّحُ اللَّهَ
مِثْلَهُنَّ”، ثُمَّ قَالَ:”تُعَلِّمُهُنَّ عَقِبَكَ مِنْ بَعْدَكَ” صدق
رسول الله صلى الله عليه وسلم .
منذ
فترة وأنا أتشوق للكتابة عن رجل ليس ككل الرجال ، لقد كان غيوراً مخلصاً
محباً لوطنه مذ أن كان طالباً يسعى وراء تحقيق أهدافه السامية من أجل رفع
إسم ليبيا الغالية خارج الوطن الذى كان شغله الشاغل للرجوع إليه والمشاركة
فى الرفع من مستواه فى المجالات المختلفة لأنه يشعر أن إختياره للدراسة
بالخارج كأحد الطلبة المتفوقين يعتبر أمانة وضعت فى عنقه حيث كان فى تلك
الفترة يتم إختيار الطلبة المتفوقين للدراسة خارج الوطن (المتفوقون فقط بكل
أمانة ونزاهة) من قبل جهات الإختصاص المسؤولة على التعليم ، فكان الطالب
المجتهد المتفوق / جمعه سالم الأربش أحدهم ….
ولهذا كان الطلبة الأوائل فى ليبيا يشعرون بالمسؤولية الجسيمة التى ألقيت
على كاهلهم وفعلاً ذاك الطالب إستطاع أن يتفوق على طلبة كلية الهندسة (قسم
الكهرباء) بجامعة عين شمس التى لا تقبل بين كلياتها سوى الطلبة المتفوقين
فى مصر والدول العربية والعالم .
الكتابة
هذه المرة تختلف كثيراً عن المرات السابقة فيما أوردناه وكتبناه بأحرف من
نور عن الشخصيات الوطنية الليبية ، فها أنا أتوقف تقديراً وإكباراً لشخصية
ليبية وطنية بإقتدار وأتوجه إلى مدينة من مدننا الحبيبة (العجيلات)
،، العجيلات الأصالة والبيتية والجهاد وأستأذنهم فى الكتابة عن أحد
أبنائها فرحبوا كثيراً وقالوا على الرحب والسعة فمن تريد الكتابة عنه فهو
إبن الوطن وإبن ليبيا فلا تستأذن منا فى الكتابة عنه ولا يستأذن أهل الدار
فى دارهم لأنك من أهل الدار فعلى عجل وصلتنى السيرة الذاتية وكل ما طلبته
من معلومات لحياة هذا الرجل الذى أكن له إحتراماً وتقديراً كبيراً لأننى
ممن عملت معه بعد تخرجى فى قطاع الكهرباء .
لقد كان نعم الأب والأستاذ يحترم الرجال الذين تعز عليهم أنفسهم ولا تنحنى
رؤوسهم أبداً إلا لله تعالى ويكره المُتملقين والوصوليين وضعاف الشخصية ،،
فقد كنت أعتبره والداً وأباً وأستاذاً لكل من عمل فى قطاع الكهرباء من
الشرفاء فى تلك الفترة المتألقة بإدارته العادلة لذلك القطاع الهام حيث خلق
من ذلك القطاع أسرة متحابة تعمل دون كلل أو ملل وزرع فينا قيم وأخلاق
ومبادئ أن ليبيا لنا جميعاً وليست لقبيلة أو عشيرة أو عائلة وبذلك كانت
الإبداعات فى كل مكان وبروز الكفاءات والخبرات من الجيل الماضى الذى عاصر
(عمى جمعه) كما كنت أناديه أحياناً…. لكونه صديق لعمى المرحوم المجاهد /
محمد الصالحين سرقيوه القزيرى عندما كان مسؤولاً فى وزارة المعارف والتعليم
فى الخمسينيات وكان يعتبر الطالب / جمعه الأربش من الطلبة الذين شرّفوا
ليبيا فى تلك الفترة…..
أهلنا
فى مدينة العجيلات تلك المدينة الهادئة التى تٌبسط ذراعيها بين البحر
والجبل وسط الخضرة والمياه العذبة بمجرد أن تسمع بضيف قادم تهلل أهلاً
وسهلاً ومرحباً شامخة برأسها من بين الأشجار الباسقات لما حباها ألله تعالى
من جمال طبيعة وكرم أهلها وتاريخهم المشرف وطيبتهم المعهودة ونقاء سريرتهم
، كيف لا وهى تحتضن أحد اولياء إلله الصالحين (سيدى بوعجيله) أحمد حركات
الأنصارى فلا تستغربوا فأهلنا فى الوطن الغالى وفى كل بقعة طاهرة منه
يجلّون ويحترمون ويكرّمون الأولياء ويتباركون بإحتضانهم ويتفاخرون أيما
إفتخار ، عقيدة الفطرة وحب الأولياء ليست بالجديد عليهم فقد توارثوها جيلاً
بعد جيل ، فهذا سيدى بوعجليه وذاك سيدى عبدالسلام الأسمر الشهير وبجواره
سيدى أحمد الزروق وسيدى أرويفع الأنصارى فى الجبل الأخضر وأصحاب الرسول صلى
الله عليه وسلم فى مدينة درنه … كل بقعة فى ليبيا الغالية أبت ألا تحتضن
فى جوفها العديد من تلك الأجساد الطاهرة من الذين صدقوا ما عاهدوا الله
عليه فكان أحفادهم خير خلف لأفضل وأطهر سلف .
فى
مدينة العجيلات العزيزة كان مسقط رأس أحد شرفاء ليبيا المرحوم / جمعه سالم
الأربش وبالتحديد فى سنة 1934م فى أسرة متواضعة كغيرها من الأسر الليبية
التى عانت الأمرين من وجود إستعمار إيطالى غاصب لأرضها ولكن فى الوطن رجال
فلم يهدأ بال قبائلنا وعشائرنا وعائلاتنا فى ليبيا إلا بعد تحرير الوطن
وطرد الغاصب الدخيل ، فها هو وطننا الغالى يندمج أهله فى رابطة الدم جمعت
بينهم الجذور العربية الأصيله فما من قبيلة ولا عشيرة ولا عائلة فى غربنا
العزيز إلا ولها رابطة دم ومصاهرة فى شرقنا الغالى ولا قبيلة ولا عشيرة ولا
عائلة فى شرقنا الغالى إلا ولها جذور فى غرب الوطن الحبيب وجنوبه ، ميزة
قلما توجد فى أى بقعة على الأرض فما إندماج الأهل فى الغرب والشرق والجنوب
والشمال إلا هبة من ألله العزيز القادر على جمع الناس فى بوتقة واحدة
لينصهروا معاً لكى يهبوا هبة رجل واحد عندما ينادى المنادى حى على الجهاد
حى على الجهاد ولنا فى التاريخ عبرة … الله أكبر هذه هى ليبيا .
أقول
بكل فخر …. لقد بدأت علامات النبوغ والتفوق تظهر على ذاك الطالب منذ أن
كان فى الفصول الدراسية الأولى الإبتدائية والإعداية بمدينة العجيلات ، ثم
إنتقل إلى مدينة الزاوية التى كانت تشع بالعلم والفكر والمعرفة لكى يدرس
بمدرستها الثانوية ويتفوق بإقتدار وجدارة لكى يتم إيفاده إلى جمهورية مصر
العربية للدراسة بجامعة عين شمس (كلية الهندسة) ويتحصل على ترتيب متقدم
(إمتياز) فى سنة 1957 م ليكون من أوائل المهندسين الليبيين الذين تحصلوا
على هذا الترتيب .
ما
أن رجع المرحوم/ جمعه سالم الأربش إلى الوطن حتى باشر العمل والتخصص الذى
كان يحمل شهادته بكفاءة عالية وعمل بالمحطة الوطنية لإنتاج الكهرباء ثم
رئيساً لها ثم مديراً لإدارة التوزيع بطرابلس حتى تعيينه رئيساً للمؤسسة
العامة للكهرباء .
وبعد
سبتمبر 1969 م مباشرة أوقف عن العمل لمدة شهرين غير أن ملف هذا الوطنى
الغيور أبيضاً فى خدمة الوطن ، حيث تم تعيينه مديراً للمؤسسة العامة
للكهرباء ثم وزير الكهرباء لفترة وجيزة حتى تم تكليفه أميناً للجنة الشعبية
العامة للكهرباء لعقدين من الزمن ثم أميناً للطاقة لمدة سنتين 1986/1988 م
وفى سنة 1996م تقدم بطلب إحالته للتقاعد نتيجة لظروف صحية طارئة إلا أن
الدولة كانت تكلفه بمهام جدير بها لمعرفتها بكفاءته وخبرته التى لا تقارع
فى مجال تخصصه فقد تم تكليفه رئيساً للجنة دراسة الوضع المائى ثم رئيساً
لشركة التفتيش بمالطا ثم رئيساً فخرياً لشركة صنع المحولات الكهربائية فى
تونس .
هكذا يكون المسؤول .
هكذا
هم الرجال الذين أقسموا آلا يرجعوا إلا بالشهادات المتفوقة وفى مقدمة
الصفوف فوفقهم الله تعالى من أجل حبهم لوطنهم وإنتمائهم الوطنى الذى آمنوا
به … هكذا هم الليبيون الوطنيون الصادقون مع الله ومع أهلهم ومع أنفسهم ،
فقد كانت النتائج مبهرة للأبصار وإذ بالطالب /جمعه سالم الأربش فى قائمة
أوائل الطلبة بجامعة عين شمس راجعاً بشهادة شرّف بها الوطن وأهله . وبعد رحلة طويله من الدراسة والعمل والعطاء تبدأ رحلة المعاناة مع
المرض والتدهور الصحى وينتقل المرحوم / جمعه سالم الأربش إلى بارئه بتاريح
4/8/2002 م ودفن يوم الثلاثاء الموافق 6/8/2002 م لتحتضن العجيلات جسده
الطاهر مسقط رأسه التى طالما أحبها وعاش وترعرع فيها … فعلى روحه الفاتحة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق