من رواد الأدب في ليبيا
المرحوم / فتح الله سليمان المقصبي
المرحوم / فتح الله سليمان المقصبي
بقلم فضيلة الشيخ /
أحمد سالم القطعانى
فتح الله سليمان صالح سالم المقصبي ولد بمدينة درنه سنة 1913 م ونجاه الله تعالى من وباء الطاعون (الكبة) الذي أصاب درنة حوالي سنة 1917 وفتك بناسها فتكا ذريعا ، وكانت البلاد واقعة تحت نير الاحتلال الإيطالي فدخل الكتاب حيث ابتدأ حفظ القرآن الكريم ، ثم دخل المدرسة وبذل فوق ذلك جهدا كبيرا لتثقيف نفسه والارتقاء بكفاءته العلمية ومن أساتذته الشيخ محمود الوفاتي والشيخ المربي الأستاذ خليفه عيسى الحوتي الذي شهد فيه بقوله أنه الأول في الفصل خصوصا في مادة الديانة .
وبهذا الجد والمثابرة صار السيد فتح الله المقصبي من مثقفي وأدباء درنه المبرزين ووطني مخلص غيور ، يتحدث عن فترة دراسته العصيبة تلك فيقول في مذكراته :
في سنة 1923 / 24 دخلت إلى الفصل الثاني الابتدائي، عندما انتهت فترة الدراسة وأتى وقت الامتحان , كان الذي يمتحننا الشيخ محمود الوفاتي " رحمه الله ، دخلت الفصل الثالث الابتدائي . . وبينما كان تلاميذ المدرسة يؤدون الامتحان إذ بهزة شديدة ، تهتز لها بناية المدرسة على ضخامتها. بل اهتزت المدينة كلها. وخرج المعلمون والتلاميذ من الفصل مذعورين. وتتابع الاهتزاز ودوي الانفجارات. وسئل مدير المدرسة عن الحادث , فقال:
لقد بلغني إن النار شبت في الجبخانة [مستودع الذخيرة].
أوقف الامتحان وهبّ كل لحال سبيله. وخرج التلاميذ هاربين .. منهم من ذهب إلى أهله ومنهم من ذهب إلى شاطئ البحر مع من فر من الرجال والنساء.
حين جئت إلى أهلي ، وجدتهم في حالة ذعر من دويّ الانفجارات ، واجتمع من بقى من رجال الشارع وقرروا فيما بينهم مغادرة البلاد إلى البرّ. فجهزنا أنفسنا وخرجنا من المنزل قاصدين ” عرقوب بوخشيم ” بعد أن حملنا ما نحتاج إليه من مؤن وأغطية على الحمار. , ورافقنا أهل الشارع وسار الجميع رجالا ونساء وأطفالا يتبعون رتلا من الحمير المحملة بما يحتاجونه ]] أ.هـ .
ويقول في نفس الموضع : [[ كانت القنابل تدوي في الجو فوق الرؤوس والشظايا تتهاوى فوق الأرض وحب الرصاص يتساقط بين الحين والحين كالمطر والنساء والأطفال في حالة ذعر وخوف ]] أ.هـ.
ثم يختم بقوله : [[ مكثنا في دلك الوادي أربعة أيام وكان الوقت صيفا , فكنت أمضي الوقت في التمتع بمنظر " الحصادين " وهم يحصدون الشعير. رجعنا إلى المدينة بعد أن زال الخطر , ورجعت إلى المدرسة ]] أ.هـ.
وهو وطني غيور من أعلام الوطنية الصادقة الأمر الذي جر عليه ويلات الايطاليين بسبب مواقفه الجسورة وكان سجينا في آخر أيام الاحتلال وأفرج عليه مع تقدم الانجليز لافتكاك درنه من الايطاليين .
وفي يوم 1947/12/2 م كان أحد الذين قادوا إضرابا عاما في درنه بسبب مشروع تقسيم فلسطين حيث أصبحت المدينة ذلك اليوم لتجد المنشورات والملصقات التي تقول :
ونجح الإضراب وأدى إلى تداعيات كبرى أنظرها مفصلة في كتاب سهاري درنه للأديب محمد محمد المفتي ص 129 حيث نقل عن السيد فتح الله المقصبي في مدوناته ما نصه :
عندما صوّت أعضاء هيئة الأمم المتحدة على مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين , عربية وإسرائيلية يوم 27 نوفمبر 1947 ، أخذت الدول والهيئات العربية في الإضراب والاحتجاج والمظاهرات ضد التقسيم .. كنا جماعة تجتمع حول المذياع في المقهى وكان يجتمع معنا الشيخ عبد السلام بن عمران .. ففكرنا في أن نحث الشعب الدرناوي على المساهمة في الاحتجاج. ودرسنا الموضوع ، وقررنا أن نقوم بكتابة عدد من المنشورات وإلصاقها على الجدران. وقسمنا الجماعة كما يلي :
الرئيس , الشيخ عبد السلام بن عمران , يقوم بإملاء صيغة الإعلانات. اثنان للكتابة . . اثنان لتلصيق الإعلانات . . اثنان لحراستها عند تلصيق الإعلانات. . أربعة للدعاية لأجل الإضراب. وفي يوم الأربعاء 2 ديسمبر 1947 تم تلصيق جميع الإعلانات في الأماكن المختارة لها. وهذا نصها:
{ أيها الشعب الدرناوي الكريم اظهر شعورك بالإضراب العام منتصف الخميس تضامنا مع إخوانك العرب احتجاجا على تقسيم فلسطين العربية }
وفي الصباح , شاهد الجمهور الإعلانات وأقبل على قراءتها. وسرى نبأ الإضراب بين الناس سريان التيار الكهربائي. وأتى أفراد البوليس , وأخذوا في نزع الإعلانات من أماكنها , ولكن بعد فوات الأوان، عندما راج نبأ الإضراب في المدينة ]] أ.هـ.
له اهتمام كبير بالمسرح وإيمان بدوره في نهضة البلاد ، فشارك بتمثيل دور في عرض مسرحي بدرنه مع المسرحي الكبير محمد عبد الهادي سنة 1943 م ، كما ألف مسرحية عاشق الذهب التي قدمها مسرح محمد عبد الهادي ايضا وببطولة محمد عبد الهادي نفسه كما مثل أحد الأدوار في مسرحية عمر المختار التي قدمها قسم الثقافة في جمعية عمر المختار بقيادة المسرحي الكبير أنور الطرابلسي .
سافر ضمن أعضاء فرقة درنه سنة 1946 م إلى بنغازي وطرابلس والزاوية الغربية وزليتن ومصراته والمرج حيث قدموا بعض مسرحياتهم منها :
[[ آه لو كنت ملكا ، وشهرزاد ، والصديق الخائن ، والدنيا لما تضحك ]]
ومنعتهم الرقابة من تقديم مسرحية [غيث الصغير] لأنها تمثل الظلم والاستبداد الايطالي كما قاموا في تلك الرحلة بإلقاء كلمات ضد تقسيم ليبيا في بعض المحافل الوطنية .
كان شغوفا بالاطلاع والقراءة ومن أبرز رواد مكتبة درنه العامة وله العديد من التأليف الأدبية التي ضاع منها الكثير ، يصف صديقه وجاره الأستاذ محمد إبراهيم دخيل ذلك فيقول : { لقد ضاع جزء كبير من مخلفات المرحوم الأدبية ولكن ذكراه ستظل دوما حية ساطعة كالشمس منيرة كالقمر ظاهرة للعيان كالنار فوق العلم ا.هـ}.
والذي بقي منها:
1 / ذكرياتي العزيزة ، وهي مذكرات أدبية وتاريخية واجتماعية وسياسية هامة جدا وقد نشرت صحيفة الأفريقي الصادرة بدرنه سنة 1994م بعضا منها على حلقات .
يقول عن سبب تأليفها ما نصه :
[[ الذي حملني على كتابة هذه الذكريات هو وجودي لبعض وريقات كنت ادخرتها بين ما أملك من كتب وقد دونت عليها منذ زمن مضى بعض كلمات تتعلق بمجرى حياتي فأخذت في جمعها وترتيبها تسلية بادئ الأمر في وقت فراغي ثم انقلبت التسلية إلى فكرة وانقلبت الفكرة إلى عمل وذلك لما وجدت في هذه الوريقات من ذكرياتي ملئى بالفوائد والمواعظ والمتاعب والالام وقد جمعتها على أربعة فصول :
الفصل الأول : تلميذ ،
الفصل الثاني : حياتي ، ذكريات عامة وهي تبين بعض ما لحق العامل الوطني من اضطهاد وشقاء على أيدي الإيطاليين الطغاة .
الفصل الثالث : ذكريات رجل ، وهي لا تخلو من طرائف وعبر كما لا تخلو من بيان بعض الظلم الإيطالي .
الفصل الرابع : ذكريات قهواجي ، وهي كذلك لا تخلو من طرائف وعبر والآم
أما الفصل الخامس : فهو ذكريات مغامراتي في سبيل فلسطين .
2/ حارسة الكنز ، وهي قصة واقعية عاصرها سنة 1951م ثم صاغها في رواية أدبية رائعة وأطلق عليها اسم حارسة الكنز تتكون من فصلين اثنين ولا تزال مخطوطة بخط يده وهو خط جميل وواضح ، تقع في كراسة من 121 صفحة انتهى منها في 1953/12/25 م ، وختمها ببيت من مأثور الشعر يقول :
قد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
3/ مسرحية عاشق الذهب ، مفقودة
4/ يوميات ، كتبها سنة 1946 م أرخت لفترة هامة وحرجة من تاريخ المسرح الليبي وليبيا عموما وهي مطبوعة ومنشورة في كتاب سهاري درنه صدر سنة 2007م للأديب محمد محمد المفتي .
وفي سنة 1946 م وكانت ليبيا وقتها محكومة من قبل الإدارة البريطانية تقريبا افتتح دكانا صغيرا لبيع المواد الضرورية المدعمة ( القرامات ) حيث يأتي الناس آخر كل شهر لاستلام نصيبهم من البضائع الضرورية المدعمة وهي { السكر والشاي والدقيق وبضعة أمتار قماش } وتسدد القيمة بالجنيه المصري حيث لم تكن توجد عملة ليبية بعد .
في سنة 1948 حاز على الجائزة الثانية في المعرض الزراعي بسبب تميز وجودة منتجات بستانه الكائن بشارع الكوي .
ثم افتتح مقهى في شارع الأسطى عمر ثم استقر موظفا في محكمة درنه ، يصفه صديقه وجاره اللصيق في السكن في شارع الكوي وزميل عمله في المحكمة محمد إبراهيم دخيل في مقالة له بصحيفة الغرفة عدد 12 الصادر في 2006/12/5 م فيقول :
كان خجولا مؤدبا كثير الصمت قليل الكلام فأحبه الجميع وأذكر أن الرجل على طول جلوسنا في المكتب واستمرار أحاديثنا طوال سنوات لم تبدر منه بادرة تنم عن قلة ذوق أو خروج عن المسار المألوف والمعتاد فاحترمته احتراما لا حدود له وأصبح مثل والدي تماما حتى انتقلت من المحكمة إلى محافظة درنه سنة 1963م .
كان محبا لأولياء الصالحين يزورهم ويحترمهم وعندما نزل هو وزملاؤه أعضاء فرقة درنه المسرحية يوم 22/04/1946م ضيوفا على الحزب الوطني بزليتن استثمر الفرصة ليزور الشيخ سيدي عبد السلام الأسمر للمرة الأولى والوحيدة في حياته .
عانى كثيرا من مرض السكر واشتد به فعجز مستشفى درنه القديم عن علاجه فسافر به أخوه صالح إلى مصر حيث بترت رجله ورجع إلى درنه وبقي قليلا بعدها ليتوفى بها في 1965/3/15 م في جبانة انبخ ولم يتجاوز الثانية والخمسين من عمره رحمه الله.
كلمة المهندس / فتح الله سرقيوه
المرحوم/ فتح الله سليمان المقصبى رجل من رحالات درنه الأفاضل والمدرجين فى السجل الوطنى لشرفاء درنه وهو والد الأستاذ المحترم والعفيف/ سعد المقصبى (الإبن الوحيد) الذى لم يعرف عنه إلا النزاهة ونظافة اليد والشرف ، كيف لا وهو إبن ذلك الرجل العصامى والمكافح والوطنى الذى اثرى الحركة الثقافية بدرنه وساهم فى نشر الفكر والأدب ودعم الحركة الوطنيه فى تلك الفترة العصيبة …. وهو كذلك جد الشيخ الجليل / أحمد سالم القطعانى وصديقنا العزيز / عبدالمجيد ،، نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يدخله فسيح جناته إنه سميع عليم ….. الرجاء قراءة الفاتحه على روحه الطاهرة وعلى جميع شرفاء هذا الوطن الذين رحلوا عنا وتركوا لأبنائهم واحفادهم وأهلهم ووطنهم صيت طيب وأعمال ترفع الرأس إلى عنان السماء . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق