لندن: «الشرق الأوسط»
في
خطاب مثير للجدل، أعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير أمس أن
التطورات في الشرق الأوسط أصبحت «أكبر تهديد للأمن العالمي»، مشددا على
ضرورة انتباه الدول الغربية لما يدور فيها، خصوصا من ناحية التشدد الديني
والصراع مع «الراديكاليين» و«الإسلام السياسي». ودعا بلير الدول الغربية
إلى وضع خلافاتها مع روسيا والصين جانبا والتركيز على تنامي ظاهرة «الإسلام
المتشدد».
ونبه
بلير إلى وجود «نزاع في المنطقة بين من يريد المنطقة لاحتضان العالم
المعاصر، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ومن يريد عكس ذلك ويريد خلق سياسات
الخلافات الدينية. هذه هي المعركة» التي دعا الدول الغربية إلى عدم
تجاهلها.
وفي
خطاب بعنوان «أسباب أهمية الشرق الأوسط» ألقاه صباح أمس في مقر «بلومبرغ»
وسط لندن، أقر بلير أن الرأي العام في المملكة المتحدة وغيرها من دول غربية
رافض للتدخل المباشر أو العسكري في الشرق الأوسط بعد حربي العراق
وأفغانستان، ولكنه شدد على ضرورة عدم ابتعاد الدول الغربية عما يدور في
المنطقة، قائلا إن «ما يحدث هناك حاليا يشكل أكبر تهديد للأمن العالمي في
بداية القرن الـ21». وأضاف أن «الإقليم، بما فيه الدول خارج الحدود
التقليدية للمنطقة - باكستان وأفغانستان شرقا وشمال أفريقيا غربا - تشهد
اضطرابات من دون نهاية منظورة، وهناك عدد من النهايات المحتملة من
المتفائلة جزئيا إلى الكارثية». وتابع أن «جذور الأزمة» في الشرق الأوسط
«نظرة متطرفة ومسيسة للإسلام، آيديولوجية تشوه وتحور رسالة الإسلام
الحقيقية، والتهديد من هذا التفكير الراديكالي للإسلام لا يتراجع، بل ينمو
وينتشر حول العالم، وهو يزعزع المجتمعات بل الدول».
وفي
رسالة تحذير شديدة اللهجة قال بلير إن التشدد والإسلام السياسي «يضعف
إمكانية التعايش السلمي في عصر العولمة، وفي وجه هذا التهديد نحن نظهر
مترددين بالاعتراف به وضعفاء في مواجهته بكفاءة». وهذه هي الرسالة التي حرص
بلير على توصيلها في خطاب استمر قرب ساعة وطوله أكثر من 4800 كلمة.
وصرح
بلير بأن التهديد المتزايد الناشئ عن نشاطات الإسلاميين يفترض بالضرورة
حصول يقظة «فورية وعلى المستوى العالمي». وتابع: «مهما كانت المشكلات
الأخرى التي تلقي بثقلها علينا، ومهما كانت خلافاتنا، علينا أن نكون جاهزين
لبذل الجهود والتعاون مع الشرق، خصوصا روسيا والصين».
وحدد
بلير أربعة أسباب تبقي منطقة الشرق الأوسط مهمة بالنسبة للغرب، «أولها
وأكثر وضوحا أن الجزء الأكبر من مصادر الطاقة في العالم تولد هناك..
واعتماد العالم على الشرق الأوسط لن يختف في أي وقت قريب». والسبب الثاني
هو أن المنطقة «على شرفة أوروبا وحدود الاتحاد الأوروبي على ساحل المشرق،
وعدم الاستقرار هناك يؤثر على أوروبا». أما السبب الثالث فهو «إسرائيل،
وتحالفها مع الولايات المتحدة وشراكتها مع الدول الرائدة في أوروبا،
والواقع أنها ديمقراطية غربية»، بحسب بلير. والسبب الرابع الذي حدده بلير
هو الرسالة الجوهرية لخطابه، وهو أن «في الشرق الأوسط مصير الإسلام سيحدد،
وهنا أعني علاقته مع السياسة». وأضاف: «من العراق وليبيا إلى مصر واليمن
ولبنان وسوريا ومن ثم إلى إيران وباكستان وأفغانستان، هذه المعركة
الأساسية».
وكان
من اللافت إشارة بلير في خطابه إلى «(الإخوان المسلمين) وغيرها من منظمات
تزداد فعالية وتعمل من دون الكثير من التحقيق في عملها أو التضييق عليها»،
على الرغم من أن «الإخوان» ليست جماعة محظورة في الغرب. وانتقد بلير
«الرغبة العميقة لفصل الآيديولوجية السياسية التي تمثلها مجموعات مثل
الإخوان المسلمين عن أفعال متطرفين بما فيها أعمال إرهاب». وحذر من تجاهل
«أن الآيديولوجية نفسها خطرة ومخربة ويجب ألا تعامل كنقاش سياسي تقليدي بين
وجهتي نظر مختلفتين حول إدارة المجتمع».
وتحدث
بلير مطولا عن مصر، قائلا إن «مستقبل المنطقة يتوقف على مصير مصر». وأضاف
أن «حكومة الإخوان المسلمين لم تكن حكومة سيئة فقط، بل كانت تقوم بعمل منظم
للسيطرة على تقاليد ومؤسسات الدولة»، مشيرا إلى أن ما حدث في مصر في 30
يونيو (حزيران) 2013 «لم يكن مجرد مظاهرات عادية، بل هو إنقاذ ضروري للأمة،
وعلينا أن ندعم الحكومة الجديدة ونساعدها». وشدد على أن الرئيس المصري
الجديد سيواجه تحديات جسيمة ولكن «من مصلحتنا الجوهرية أن ينجح، وعلينا أن
نحشد المجتمع الدولي لإعطاء مصر ورئيسها أكثر مساعدة ممكنة كي نعطي البلاد
فرصة ألا تعود إلى الماضي، بل أن تعبر إلى مستقبل أفضل».
وفي
ما يخص سوريا، وصف بلير ما يدور هناك بأنه «مأساة»، ولكن الآن بات العالم
في وضع أن «بقاء (الرئيس السوري بشار) الأسد أو سيطرة المعارضة خياران
سيئان». وعلى الرغم من إقراره بصعوبة خيار التفاوض مع الأسد، قال إن
«الطريق الوحيد للأمام هو أفضل اتفاق ممكن حتى إذا كان هذا يعني بقاء
الرئيس الأسد لمدة» في السلطة. وأضاف أنه من الضروري اتخاذ «إجراءات فعالة
لدعم المعارضة وإجبار (الأسد) على المجيء إلى طاولة المفاوضات بما في ذلك
فرض مناطق حظر جوي، ورفض حصول أية مجموعات متشددة على دعم من أي دولة».
وتزامن
خطاب بلير مع إعلان فرنسا إجراءات جديدة لمعاقبة من يلتحق بمجموعات مسلحة
متشددة في سوريا وسط تزايد المخاوف في أوروبا من تداعيات الحرب السورية على
مكافحة الإرهاب. وكما أعلنت أجهزة الاستخبارات الهولندية أمس أن «أكثر من
100 شخص سافروا إلى سوريا من هولندا في 2013 وفي نيتهم المشاركة في أنشطة
جهادية»، موضحة أن 10 من بينهم على الأقل قتلوا على الأراضي السورية.
وعلى
الرغم من شغله منصب الموفد الخاص للجنة الرباعية لعملية السلام في الشرق
الأوسط، لم يخصص بلير خطابه للحديث عن النزاع العربي - الإسرائيلي، بل أشار
إليه ضمن «الصراع» الأوسع في المنطقة. وقال: «حل النزاع سيكون انتصارا
للقوات التي علينا أن ندعمها... التزام (وزير الخارجية الأميركي) جون كيري
لم يكن ضائعا.. علينا أن ندعمه لدفع هذه القضية إلى الأمام».
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق