الأحد، 16 فبراير 2014

العثمانيون الجدد وهيمنة العمائم التركية


العثمانيون الجدد

وهيمنة العمائم التركية



فتح الله 4

بقلم المهندس / فتح الله سرقيوه 


فى زمن من الأزمان الغابرة المُظلمة التى مر بها أهلنا فى أرجاء الوطن كان فترة إحتلال طرابلس ونواحيها من قبل ما يُسمى (فرسان القديس يوحنا) والتسمية لا تحتاج إلى تفسير وهم جماعة مُتعصبة عُنصرية ترفع الصليب من أجل الهيمنة على الأراضى المقابلة لجنوب أوروبا بشمال أفريقيا من خلال تكوين أسطول حربى تم تجهيزه فى ما يٌسمى (مالطا) التى لا تزيد مساحتها عن مساحة قرية ليبية ، وقد جاءت الفكرة لهؤلاء المجموعة بعد أن طٌرد العرب والمسلمين من الأندلس إلى شمال أفريقيا وساحل المغرب العربى تحديدياً بعد أن تم التنكيل بهم ونهب أموالهم وإعطائهم فرصة أيام لمغادرة (الأندلس) وحتى لا يتعرضوا إلى محاكم التفتيش المسيحية وسلب أبنائهم الصغار لتنصيرهم وهو حكم جائر ُطبّق على المسلمين فى الأندلس من قبل الأسبان والحكم أو القرار جاء تحت راية الدين المسيحى حيث نسوا أن السيد المسيح الذى تعرض للظلم والتعذيب لا يقبل أن أتباعه يمارسون هذا النهج المُتعصب فى حق الديانات الأخرى .

لقد ضاق أهالى طرابلس ونواحيها أبشع أنواع الظلم والإستعباد من تلك العصابات حتى أن العديد منهم من قبائل وعلائلات وأفراد شدوا الرحيل هرباً من هذا الطغيان وكأن الظلم يُرافق أهلنا أينما كانوا ومنذ زمن بعيد ، وبدأ البعض من السكان يفكرّون كيف يتم إنقاذ طرابلس وأهلها وما حولها من هذه الهيمنة ، حيث إستقر الرأى على طلب النجدة من السفن (العثمانية) التى تجوب شواطى البحر الأبيض المتوسط ، وفعلاً تحرك مجموعة من أهل شرق تاجوراء (حالياً) بتنفيذ هذا الرأى ، حيث وافق قائد الأسطول العثمانى لنجدة الطرابلسيين وتم طرد ما يُسمى فرسان القديس يوحنا وهزيمتهم ، الأمر الذى إعتبره الكثيرون من الأهالى جميلاً فى أعناقهم من دولة مُسلمة ترفع الراية الإسلامية ، وهنا بدأ العهد العثمانى الأول وأستوطن فى طرابلس بالذات ونزل بثقله على الأراضى الليبية ينهب كل ما تطاله يده ويفرض الضرائب (الميرى) على الليبيين يرفعون شعار الكل ملك لنا وطاعتنا واجبة ومن يخالف عقابه الموت لأنهم يظنون أنفسهم أنهم خليفة ألله فى الأرض .

إستمر هذا العهد البغيض حتى 1711م ، لم ينعم فيه الليبيون بالراحة والأمن والأمان والإستقرار فقد حكم العثمانيون بإسم الدين والدين منهم براء فهم لا يفهمون من الدين سوى الزواج من أربعة وإطلاق عنان شهواتهم الحيوانية لإقتناء الجوارى وما ملكت أيمانهم والطاعة العمياء لولى الأمر وكل من يخالف أو يُبدى رأيه أو يعترض فمصيره القتل وكانت تلك العقوبات بأمر مشائخ نصبوهم لتنفيذ أوامرهم ، فلم يكن أمام أهل طرابلس إلا الصبر أو الهجرة وأرض الله واسعة .

وللأسف عندما حكم القرمانليون ظنوا أهل طرابلس ونواحيها أن (الخير جاى) وأن الأمور ستتحسن على أيديهم وأن السكان المحليين سيأخذون حقوقهم فى مزارعهم وإنتاجهم وتجارتهم ، وبكل أسف إزدادت المُعاناة والآلام والفقر والقهر والظلم الإجتماعى لأنه ظهرت فئة تُسمى (القولوغلية) أو أبناء سيدى الوالى !! وهم من آباء أتراك وأمهات ليبية لتُعطى هذه الفئة ميزات كبيرة فى الحكم ولكى يسيطروا على القرار السياسى والإجتماعى للسكان الأصليين وأصبح الأمر واقعاً بخصوص هذه الفئة التى أحياناً البعض من أبنائها اليوم يرفعون عبارة (الجالية التركية) ونسوا أن ليبيا هى الحاضن الحقيقى لهم والولاء لابد ان يكون لها ولا لغيرها حتى وإن ظلموا لأى سبب من  الأسباب .

أقول … لقد إنتشرت الحروب الأهلية فى الدواخل نتيجة نشر الفتنة بواسطة أتباع القرمانليين الذين وعوا جيداً أن القبائل الليبية ليست سهلة ولن تقبل حكمهم طويلاً وكم من قوافل حربية حركوها للجنوب الليبى ووسطه ولشرق الوطن ، الأمر الذى فكّر القرمانليون أن الفتنة بين القبائل الليبية لا بد من أن تكون مدروسة لكى تؤتى ثمارها حيث نتج عن ذلك طرد العديد من القبائل الليبية شرقاً وغرباً وجنوباً ومنها على سبيل المثال لا الحصر قبيلة المحاميد وقبائل أولاد على وقبيلة الفوائد وقبائل الجوازى الذين تعرض مشائخهم بالكامل للذبح فى مدينة بنغازى أما بقية القبيلة فقد هاجرت وإجتازت الحدود الشرقية إلى مصر ومنها من هاجر داخل الوطن ، أليس هذا بظلم وإستبداد أن يُطرد السكان من وطنهم ؟  بفعل الغاصب الأجنبى التركى الذى لاتربطنا معه أى رابطة سوى أنه كذب علينا ورفع راية الإسلام لكى يعبر عليها ليحكمنا، أليس من شاركوا ذلك الغاصب ونفذوا مؤامراته هم من أعطاهم الميزات ومكنّهم من القبائل الليبية الأصلية صاحبة الحق فى الوطن ، فلماذا يُحاول البعض اليوم أن يرفض المصالحة والعدالة الإجتماعية ؟ وينسى أو يتناسى ما قام به أجداده فى حق الليبيين منذ قرنين من الزمن أو يزيد وتشريدهم فى الدول المجارة .. إتقوا ألله تعالى فى أنفسكم .

يبدوا أن أهلنا فى الوطن قد وعدوا بعدم الإستقرار والأمن والأمان فنتيجة للوضع السياسى الفاسد فى الأسرة القرمانلية وإنتشار الفساد الذى ضرب أطنابه بين أفراد هذه الأسرة الحاكمة ، دبّت الفتن بينهم وتآمروا على بعضهم وإقتتل الأخ مع أخيه وتطاول الإبن على أبيه ووصلوا إلى درجة لا تُطاق من الفسق الفجور وتبذير الأموال وفساد الذمم ، ومن هنا لم يكن بيد السكان الأصليين فى طرابلس سوى الإنتظار لعل ألله يجد لهم مخرجاً مما يعانونه وعاناه أجدادهم من قبلهم ، وهنا بقدرة قادر سقط حكم القرمانليين وإستبشر البعض بذلك وجاء حكم العهد العثمانى (الثانى) وللأسف بالرغم من أن هناك بعض الإصلاحات المحدودة فى هذا العهد إلا أنها لم تكن قوية أو مُقنعة لليبيين وخصوصاً فى طرابلس الذين شعروا أنها عبارة عن ذر الرماد فى العيون وأن الإستبداد والظلم لن يتغيير إلا بالإجتثاث ، فلا إصلاح مع الظالمين ولا تسامح مع المستبدين ولا مهادنة معهم أبداً ، حيث إستمر هذا العهد فى الإنهيار والفساد السياسى والإقتصادى والإجتماعى إلى أن ظهرت السفن الإيطالية على شواطئ المدن الليبية لتدك الحاميات التركية فيها ليسقط عهد من العهود الظالمة ويبدأ عهد آخر مُحتل وقاتل ومغتصب وإستيطانى فى سنة 1911م ، الأمر الذى جعل الأتراك فى حالة حرجة ومُخجلة ، فكيف يتم إحتلال ليبيا ؟ وهم حكامها الذين يرفعون راية الإسلام دفاعاً عنها والغاصب (نصرانى) يرفع الصليب فحاولوا الحفاظ على ماء وجوههم وقاوموا مع الليبيين على طول الشواطئ الليبية ولكن القوة غير متوازنة فهربوا وتركوا البلاد لمصيرها وهنا بدأت حركة الجهاد فى ليبيا ، والوطن لا يدافعون عنه غير أهله الذين إختلطت دماؤهم بترابه وهى حقيقية لا بد أن يعرفها هذا الجيل والأجيال القادمة ولنا فى تاريخنا عبرة لمن يعتبر .

معاناة ومعاناة وفقر وجوع وذل وكأنها عوامل تُرافق شعبنا الليبى على مدى التاريخ ، فبعد أن  تحررت ليبيا فى سنة 1951م ولاح فى الأفق حكم عادل ودستور ونظام برلمانى وخدمات متميزة للمواطن وجيش وشرطة ونظام إدارى كان يُضرب به المثل ، وما هى إلا بضع سنوات حتى كانت الفاجعة الكبرى  بقفز أحد الضباط الصغار ومعه مجموعة قام بغسل أدمغتهم وضخ فيها شعارات وخليط من الكذب الممزوج بالأمانى فأستولوا  على حُكم مُستقر وآمن بدعم من جهات خارجية كانت تسعى للهيمنة على الثروات الليبية التى قد علمت بها من خلال الأبحاث والدراسات وكان ما كان من ظلم وسجون وقهر إلى أن منّ الله تعالى على الشعب الليبى بثورة شعبية حقيقية قادها الشباب الليبى دون جميل أحد أو بتخطيط من أحد فى 17 فبراير 2011م ولأول مرة تندمج شعارات الليبيين فى الوطن برفع شعار الوحدة الوطنية التى أبهرت العالم ومنهم من قال مُستغرباً هل هذا هو الشعب الليبى حقيقية ؟؟ … ولكن ..!!!

لم نكن نعلم ما يُدبّر لنا من مكائد من قبل البعض الذين كانوا فى الخارج من الحاقدين والذين فى نفوسهم مرض ينتظرون الإنقضاض على الثورة الليبية بالتنسيق مع أتباعهم بالداخل ، فقد بدأت التحركات المشبوهة للإيدولوجيات التى لم يكن الشعب الليبى يعرف عنها شيئاً على الإطلاق لأن شعبنا مُسلم بطبيعته على الفطرة ولم يكن بإستطاعة أحد أن يصل إلى السلطة بإسم الدين ، فالفقهاء والعلماء لهم إحترامهم ولكنهم لم يُعرف عنهم التخطيط للوصول إلى الكراسى والمناصب والعبور إليها عن طريق أيدولوجية ترفع شعار معى أو ضدى فإن لم تكن معى فأنت عدوى ولا حق لك فى المناصب والكراسى وستكون تحت طائلة التهميش والإقصاء وسأعاديك وأحاربك حتى ولو كنت الأفضل منى ديناً وعلماً وثقافة وتأهيلاً  … فهل هذه ليبيا التى كنا نأمل تطبيق العدالة الإجتماعية فيها وتكافؤ الفرص ؟ .

نحمد الله تعالى على نعمة الإسلام الذى تعلمناه بالفطرة عن أهلنا وتوارثناه نقياً وحفظنا من القرآن ما نستطيع وحفظنا من الأحاديث ما يجعلنا نسير على نهج سيد الخلق ، لقد آمن أهلنا بالله وأحبوا محمداً الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، يؤمنون بأن الدين معاملة ولا غُلو فى الدين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر يحترمون العلماء والفقهاء ولا يتطاولون على أحد منهم ما داموا فى حُدود إلله تعالى ، إزدادوا حباً فى إلله وتعاليم الإسلام بإحترام الطرق الصوفية والأذكار والمدائح النبوية ، فلسنا فى حاجة لمن يريد أن يُعلمنا ديننا من جديد من خلال إنتهاج الإيدولوجيات الوافدة التى هدفها الوصول إلى السلطة ، لقد نسوا هؤلاء ان محمد وأتباعه لم يجبروا أحدأ من العجم وغيرهم  للدخول فى الإسلام بالقوة (لكم دينكم ولى دين) وجادلهم بالتى هى أحسن ونسوا كذلك أن الأمر شورى والحقوق قضاء ، فكفانا بالله عليكم من العهود العثمانية والقرمانلية والعمائم التركية التى رفعت شعار الحكم بإسم الدين ولم تكن صادقة مع ألله ولا مع نفسها لأنها إتخذت من الدين وسيلة للوصول إلى الحكم فخسرت حب الناس وفقدت ثقتهم وهو أهم شئ فى هذه الدنيا أن تفقد الرعية الثقة فى الحاكم لأن من أحبه الله أحبه الناس ومن كرهه الله كرهه الناس ..

قرأنا عن المناضلين وعلى رأسهم شيخنا عمر المختار ورفاقه الأشاوس أولئك الحفظة لكتاب إلله الذين ظلّوا يُقاومون الإستعمار لعقدين من الزمن لم نسمع عنهم المطالبة بثمن جهادهم بعد الإستقلال فى العهد الملكى ولم نسمع عن أبنائهم ذلك أيضاً ولو أن الشعب الليبى أراد مكافأتهم وتعويضهم عن ذلك لن يفيهم حقهم ولو بثروات ليبيا لمئات من السنين ، فهم يؤمنون بالله والوطن وليس فى قاموسهم كلمة( تعويضات) التى أصبحت عار فى هذه الأيام ومسبة !! على كل من يشد الطابور أمام وزارة العدل بطرابلس ليستلم الصك بمئات الآلاف وربما أكثر لمجرد أنه قضى بضع سنين فى السجن ،فإذا قضاها من أجل ليبيا فهذا أمر وإذا قضاها من أجل نفسه للإسترزاق منها اليوم فهذا أمر آخر ، فإذا كانت هناك تعويضات قانونية فلتكن من اجل من فقدوا آبائهم وابنائهم وإخوتهم فى السجون وغيرها بسبب الصدام مع أجهزة القذافى فى الجبال الوديان وليس غير ذلك .

أيها السادة القراء … عندما كنا صغاراً ذهبنا (للكتاب) لحفظ القرآن الكريم وهذا الأمر مر به أبناء القبائل والعائلات البسيطة لكى يٌعلموا أبنائهم القرآن والسنة النبوية ، وكنا كل يوم خميس يأتى التلميذ يحمل معه إما خبز أو بيض أو تمر من اجل الشيخ الطيب حيث أنه لا يتقاضى مرتب من الدولة أو من أى جهة كانت ، وما كنت ألاحظه أن التلميذ الذى يأتى بقرش ليعطيه للشيخ يجابه بالرفض ويطلب منه الشيخ ضرورة إحضار ولى أمره ، هذا هو الإسلام الحقيقى الفطرى وليس إلإسلام السياسى الذى يريد جماعته الوصول للسلطة والمناصب ووضع اليد على ثروات الدولة للصرف منها على أيدولوجية أكل عليها الدهر وشرب والتى تتلون وتخرج علينا بمسميات عدة بحجة الأحزاب والديمقراطية والعدل ، أين العدل يا سادة وأنتم وصلتم للكراسى البيضاء فى قاعة المؤتمر الوطنى بطرق ملتوية ورفع شعار المستقلين من اجل الوطن ، أين العدل وأنتم تعيشون فى نعيم ريكسوس وبجواركم أسر تعيش فى العراء وتحت الخيام ، لعمرى قد تكشّفت الأمور على الليبيين الذين وعوا اللعبة والضحك على الذقون ..  حقاُ كلمة قالها الملك إدريس (لا أقبل أحزاباُ رؤوسها فى الخارج وذيولها فى الداخل) لقد صدقت أيها الملك العادل ، وهنا أضيف بأنها أفاعى برؤوس متعددة فى الخارج وذيول تتحرك بالريموت كونترول بالداخل .. فإلى أين هذه الأفاعى ستوصلنا عما قريب فرؤوسها قد تكون قُطعت فى جوارنا ولكن الذيول لا زالت تتحرك والحمد لله لا تحمل سُموماً لأن السُم فى الرؤوس .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق