الاثنين، 18 نوفمبر 2013

الليبيون يقولون: "من أنتم؟"


الليبيون يقولون: "من أنتم؟"




إقويدر

د. إبراهيم قويدر


18/11/2013


نتذكر جميعًا خطاب معمر القذافي في أول ردة فعل علنية على أنتفاضة الشعب الليبي في المناطق الشرقية حيث قال عبارته الشهيرة: "من أنتم؟"، وهو بهذه العبارة كأنه يقول ويعبر عن أنه هو ليبيا وصانع مجدها، وهي له وحده ولا أحد يتجرأ أن يقف ضده؛ لأن ناس ليبيا ملكه وأرضها وخيراتها ملكه وملك أولاده، فمن أنتم أيها الرعاع الذين تقفون ضد الصقر الأوحد ملك ليبيا وإفريقيا ويطمح لأن يكون ملك العالم والكون، "من أنتم؟" عبارة تعطي كل هذه الإيحاءات التي تنم عن روح الغطرسة والتكبر والجبروت.


إن هذا القذافي تناسى أن هؤلاء هم أهل البلاد وأنه لولاهم لما كان زعيمًا ولا قائدًا ولا أي شيء في الدنيا، كان ممكن أن يكون الآن برتبة فريق أو حتي لواء فني عسكري مثله مثل الآخرين.


نعم نسي "الزعيم" من صنعه وأوصله إلى ما كان فيه من مجد، إنهم الليبيون بهتفات بعضهم: "عَلِّم يا قائد علِّمنا"، وشعراؤهم الذين مجدوه وتفننوا في تمجيده شعرًا وغناءً، وبالأعداد الغفيرة التي تميز معاونوه في حشدهم له أثناء احتفالاته ولقاءاته التي كانت تنظم بتواجد فئات مؤدلجة قريبة من المنصة لتنظيم الهتافات، والأخرى كدوائر أمنية للحماية تحيط به.


بكل هؤلاء أصبح القذافي وغيره من القادة في المجتمعات النامية زعماء وأبطالاً وسادة، وحولوا صانعيهم إلى عبيد عندهم، ولم يتوقعوا، بل فوجئوا عندما ثار هؤلاء العبيد عليهم، فخرج القذافي وقال: "من أنتم؟"، ومن قبله قال زين العابدين بن علي: "فهمتكم".


والآن جموع هذا الشعب التي عانت سنين طويلة- ولا ننسي أن البعض استفاد ومازال ينحاز لعصر القذافي وأيامه؛ لأنه كان ينعم بالنفوذ والمال وإن كان قليلاً قياسًا بحيتان نظام القذافي الكبيرة- الآن الشعب ثار ودفع تضحيات جسام في ثورته من أجل أن ينهي نظام الظلم والاستبداد، نظام "جوع كلبك يتبعك"، نظام "جهل شعبك ماتخفش منه".


وتحقق النصر، وفوجئ الليبيون والليبيات بعد الفرحة والنصر المبين بواقع مرير كانو يحلمون بعكسه تمامًا، فقد كانوا يحلمون ببلد مؤسسي منظم يكفل فيه الجميع الحياة بحرية وكرامة وعدل ومساواة بدون عقاب فردي أو جماعي وبدون تهميش وتطور في خدمات الحياة الضرورية. هذا الحلم تبدد وظهر بعض أبطال النضال الثوري من المدنيين يتخاصمون علي رؤاهم السياسية وينحازون إلى تفاهات أيدلوجية ليس وقتها في هذه المرحلة الانتقالية، ومع الأسف تركوا مصالح الشعب.


البعض الآخر الأكثر من المناضلين الذين حملوا السلاح جرت الأموال في أيديهم بالحلال والحرام، وفتح البعض منهم قنوات تمويلية مع دول خارجية واستعانوا بمجرمين وبعض من بقايا جنود كتائب القذافي، فأصبحوا يعيثون في ليبيا فسادًا، لهم سجونهم الخاصة، ويلقون القبض ويسجنون ويداهمون ويقتلون ويعذبون ويغضون الطرف عن ممارسات بعضهم الإجرامية، بل إنهم في بعض الأحيان يتسترون على المجرمين ويدافعون عنهم، نعم كل هذا يحدث في وطني ليبيا الآن، لم تسلم منه مدينة أو قرية إلا القليل النادر.


وسيخرج هذا الشعب، نعم سيخرج، مهما طال الزمن سيخرج ليقول لهؤلاء: "من أنتم؟.. من أنتم؟"، نحن الشعب الذين صنعناكم، نحن الشعب الذي ثار ضد الظلم والاستبداد، بعضكم كان في صفوفنا واليوم تغتالون حريتنا وتصادرون العدالة، وتسرقون ما لنا وتعيثون في الأرض فسادًا، نعم سينتفض هذا الشعب الحر بشرفائه الأبطال ليوقف هذه المهزلة غير الأخلاقية التي تمر بها بلادنا، ليعاد القطار الليبي إلى قضبانه ومساره الطبيعي الذي رسمه له المولى عز وجل، باعتبار أن الانسان خليفة الله في الأرض، نعم سيعود الشعب إلى مسار الحرية والكرامة والعزة والشرف والعمل بأنماط ثقافةِ وسلوكيات ديننا الحنيف وسلوكيات سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.


لن نرجع أبدًا إلى عهود الاستبداد مهما كان من يقوم فيه، فالثوري إذا أغرته المادة وبريق السلطة وتحول إلى مشروع طاغية صغير، فعلينا استئصاله قبل أن يكبر ويصبح طاغية كبيرًا وتكون عملية الاستئصال معقدة وتصحبها العديد من المخاطر التي بإمكاننا تلافيها الآن ما دام ما زال مشروعا صغيرًا.


إن كل شرفاء ليبيا- شيوخًا وشبابًا، رجالاً ونساءً- مدعوون في هذا الوقت لانتفاضة جديدة، ولكل الجنود الذين يتقاضون رواتبهم من خزينة الشعب أن ينحازوا فورًا وينضموا للشعب ويتركوا أمراءهم مشاريع الطغاة الصغار يواجهون مصيرهم وحدهم ليعرفوا- حقًّا- من هم.

د.إبراهيم قويدر
i_guider@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق