“الطلقة الطائشة”
مقهي ببنغازي الليبية يتحدى روّادُه الموت
بنغازي ـ من معتز المجبري ::
“الطلقة الطائشة” اسم لمقهى شعبي وسط مدينة بنغازي شرقي ليبيا، استوحي
مسماه من واقع الأحداث التي تشهدها المدينة، حيث إن مكانه لا يبعد إلا
أمتاراً قليلة عن إحدى خطوط جبهات المعارك الدائرة منذ أكثر من عام ونصف
العام بين قوات الجيش التابع للسلطات المنعقدة في مدينة البيضاء (شرق)،
وتنظيم أنصار الشريعة وكتائب الثوار الإسلامية الموالية له.
يقول أصحاب المقهى الذي يقع
في منطقة “سيدي حسين” و يبعد أقل من 400 متر فقط عن جبهة المعارك الطاحنة
في منطقة “سوق الحوت” وسط المدينة، إن اسم مقهاهم “أُستوحي من كون محيطه
تتطاير فيه الطلقات والرصاص الطائش (العشوائي) في كل وقتٍ، بسبب المعارك
الدائرة بقربة في جبهة (سوق الحوت)، إذ أنه ملاصق تماما لشارع (عمرو بن
العاص) وهو آخر خط دفاع لقوات الجيش الليبي التي ترابط هناك بدباباتها
وأسلحتها الثقيلة و مدافعها” .
أما رواد المقهى الموجودون
به علي مدار اليوم، فاعتبروا في حديث بعضهم للأناضول، أن جلوسهم في مقهي
كهذا رغم المخاطر الكبيرة من حولهم، “جزءً من طباع أهل بنغازي الذين يتحدون
الموت في كل يوم بكافة أشكاله، سواء بالقذائف العشوائية التي قضي علي
إثرها العشرات من المدنيين أو بالرصاص الطائش الذي يتطاير في كل وقت حاصدا
أرواح السكان الذي كان آخر ضحاياه، أمرأة اخترقت رصاصة طائشة رأسها أمام
منزلها بمنطقة “السلماني” الواقعة هي الأخرى علي خط المعارك”.
و “رغم مقتل أحد المارة من
أمام المقهى قبل ثلاثة أشهر بسبب رصاصة طائشة لم ينفك رواده عن الجلوس هناك
طوال اليوم متحدين الموت”، هكذا قال “فتحي الشريدي” أحد الجالسين في
المكان للأناضول بصوت تملئه الثقة، ليتابع قائلا “أهل بنغازي تحدوا الموت
العديد من المرات ليس الآن فقط بل حتي خلال فترة حكم (معمر القذافي) الذي
حاول كسر أهل بنغازي مراتاً عديدة”.
“منعم البرعصي” أحد رواد
المكان، قال هو الآخر وهو يجلس على إحدي طاولات المقهى، ممسكا في
يده بصحيفة ليبية محلية يقلب صفحاتها، “نحن لا نغامر بحياتنا فالحياة غالية
ولكننا نؤمن أن الموت لا يعترف بمكان فهناك من توفى، وهو جالس في منزلة
جراء طلقة طائشة خرجت من سلاح متوسط لتخترق زجاج البيت أو قذيفة عشوائية
(…) فالأمر سيان والأعمار بيد الله وحدة ” .
و يعتبر الليبي الذي حدثنا
من داخل المقهى المذكور، أن “الخطر ليس في الجلوس على المقهى المكشوف الذي
لا جدار له ليحمي زبائنه، بل الخطر يكمن في المرور من الشارع المقابل
لـشارع (عمرو بن العاص) الملاصق للمقهى، وذلك بسبب انتشار القناصة الذين
يعتلون مبني (حلواني بوعشرين) من حين لآخر كلما سنحت لهم الفرصة، إذا
تراجعت قوات الجيش من المكان”، بحسب ما قصه علينا.
و ربما يبدو أن فناجين
القهوة وأكواب المياه في المقهى، أقل تماسكا من رواده الذين يجلسون غير
مبالين بالخطر المحدق بهم، إذ أنها سرعان ما ترتجف فوق الطاولات أثناء مرور
آليات الحرب الثقيلة كالدبابات، والمدافع من أمام المكان لتلتحق بالمعارك
الدائرة هناك، ولعل تراقصها وارتجافها، بمثابة أمر يضفي على المشهد نوعاً
من الغرابة، والإثارة معاً.
وفي ظل ما تعيشه المدينة من
حرب طاحنه منذ أيار/مايو من العام الماضي، إثر اطلاق الفريق أول ركن
“خليفة حفتر” قائد الجيش الليبي المنبثق عن مجلس النواب المنعقد في مدينة
طبرق، إضطر سكانها مرغمين محاولة التأقلم والتعايش مع الوضع المتوتر، وذلك
في ظل أزماتٍ إنسانيةٍ أتت علي قطاعي الكهرباء، والصحة، ناهيك عن نقص في
الخدمات، ومتطلبات المواطنين كالبنزين والاتصالات، والإنترنت، وغاز الطهي
وحتي الخبز.
ويتصارع على السلطة
في ليبيا برلمانان وحكومتان متنافسان، هما حكومة “عبد الله الثني”، التابعة
لمجلس النواب بطبرق (شرق) المعترف بها من المنظمات الدولية، وحكومة “عمر
الحاسي” المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام، والتي تتخذ من طرابلس (غرب)
مقرا لها.(الاناضول)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق