مصر: قانون «مكافحة الدعاء على الظالمين»
رأي القدس
في حفل «افطار الأسر المصرية» الذي ضم مجموعة منتقاة من المواطنين
المؤيدين للنظام، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته على انه «لن يسمح
باستخدام قانون مكافحة الإرهاب في قمع حرية الرأي، او في ظلم احد»، دون ان
يصدر اي اشارة الى امكانية تعديل المادة 33 التي تعاقب الصحافيين بالحبس
لعامين ان نشروا اي (اخبار بشأن العمليات الارهابية تخالف البيانات الصادرة
عن الجيش). وحاول ان يروج للقانون بتذكير الحاضرين بالقيود الاعلامية التي
كانت مفروضة اثناء حرب الاستنزاف التي سبقت انتصار تشرين الأول /اكتوبر في
العام 1973، والتي كانت تمنع نشر اي اخبار عن عدد الضحايا حفاظا على الروح
المعنوية للجيش. وتعهد الا يتكرر ذلك لكنه طلب عدم المبالغة في تلك
الاعداد.
لكن السيسي لا يستطيع ان يستشهد بأي عهد أو أي حكومة سابقة منعت الدعاء على الظالمين في المساجد، وقررت معاقبة من يرتكب هذه «الجريمة» بمنعه من الامامة في اي مسجد كما فعلت حكومته.
وبينما كان السيسي يتعهد بالحفاظ على حرية الرأي، كانت وزارة الأوقاف في تناقض صارخ تمنع الشيوخ محمد جبريل وأحمد عيسى المعصراوي وأحمد عامر من أي عمل دعوي بجميع مساجد مصر سواء أكان إمامة أم إلقاء دروس لـ «خروجهم على تعليمات الوزارة ومحاولة توظيف الدعاء توظيفا سياسيا لا علاقة له بالدين بل متاجرة بعواطف الناس مع تعميم ذلك على جميع مديريات وإدارات الأوقاف»، كما قالت في بيانها امس.
وكشف البيان عن قيام مديرية أوقاف القاهرة «بتحرير المحضر رقم 4776 إداري مصر القديمة بتاريخ 14تموز/ يوليو الجاري بموجب حق الضبطية القضائية لمفتشي الأوقاف ضد محمد جبريل» بسبب دعائه على «الحكام والسياسيين الظالمين، وعلى من قتل الابرياء ويتم الاطفال» دون ذكر اي اسماء.
ولعل هذه الواقعة تؤكد مجددا على الفارق الهائل بين خطابات السيسي وتعهداته وما يحدث على الارض من ممارسات وانتهاكات حقوقية يخشى ان يشكل قانون مكافحة الارهاب غطاء لانتشارها.
وعلى سبيل المثال، وبالرغم من مطالبته لاجهزة الامن اكثر من مرة علنا بالا يتضرر الابرياء من اجراءات مكافحة الارهاب، فانه أقر علنا ايضا بأن «هناك شبابا ابرياء كثيرين ظلموا وتعرضوا للاعتقال». والخلاصة ان الفارق بين ما يقال للاستهلاك الاعلامي محليا ودوليا وما يحدث في الواقع اصبح يمثل تهديدا متزايدا لمصداقية الخطاب الرئاسي.
ثم ان مثل هذا العقاب لرجل دين لمجرد انه دعا على الظالمين، ينم حتما عن اداء سياسي مرتبك، وهو ما يظهر بوضوح في الصياغة العشوائية لقانون مكافحة الارهاب، وينعكس في الخطابات المرتجلة التي يلقيها السيسي وتنجم عنها مشاكل عديدة تقدم ذخيرة مجانية لخصومه، ومثال ذلك ما قاله قبل يومين في الاحتفال بليلة القدر حرفيا ان «الشباب الذين الحدوا مخرجوش من الاسلام»، وهو استفزاز للمسلمين عامة ومئات الشيوخ الازهريين الذين كانوا يستمعون اليه،خاصة، لكن لم يجرؤ اي منهم على التصحيح او حتى الاستيضاح.
واذا كنا لنصدق الحكمة القديمة التي تقول «ان اسوأ الاخطاء هي التي لاضرورة لها»، فان نظام السيسي باتخاذ مثل تلك الاجراءات المكبلة للحريات يصرعلى ارتكاب «اسوأ انواع الاخطاء».
اما الملفت للانتباه حقا فهو ان وزارة الاوقاف التي هبت بسرعة لمنع الدعاء على الظالمين اثناء صلاة التراويح، تتغاضى يوميا عن العديد من المساجد التي مازالت تستغل في نشر الافكار المتطرفة، حتى ان احد المساجد في القاهرة كان مشهورا حتى وقت قريب باسم «جامع داعش».
ومن المعروف ان الائمة التابعين لوزارة الاوقاف يبلغ عددهم نحو الخمسين الفا فيما يزيد عدد المساجد والزوايا في مصر عن ضعف هذا الرقم، ما يجعلها عاجزة عمليا عن ضبط الخطاب الديني، وحماية المنابر من سوء الاستغلال. الا ان هذا يعني ايضا ان آلاف الائمة يستطيعون مواصلة الدعاء على الظالمين.
اما العلاقة بين الخطباء والانظمة القمعية في مصر، فلها تاريخ طويل لا يخلو من معان وعظات لمن اراد ان يتعظ. ويستطيع القارئ ان يعود الى خطب الشيخ عبد الحميد كشك الذي تحمله الرئيس الراحل انور السادات لسنوات، قبل ان يعتقله في أيلول/سبتمبر 1981، رغم انه كان يهاجم مسؤولين وزعماء باسمائهم ولايكتفي بالدعاء على الظالمين.
واخيرا ومن اجواء خواتيم هذ الشهر الفضيل، ندعو الله ان يقينا جميعا احد اسوأ انواع الظلم، ظلم النفس، والذي اشار اليه القرآن الكريم في الآية: (فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
رأي القدس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق