‘الدراما’ الليبية… وميلاد دولة ‘القاعدة’
‘الدراما’ الليبية… وميلاد
دولة ‘القاعدة’
رأي القدس
في
مشاهد دراماتيكية تليق برواية بوليسية، قد تستعصي على قريحة كثير من
المؤلفين، تصاعدت التطورات في المشهد السياسي الليبي، بعد ان تحرك
‘البرلمان’ لإقالة رئيس الوزراء علي زيدان اثر نجاح الميليشيات المسلحة
التي تسيطر على ثلاثة مرافئ رئيسية في شرق ليبيا في تصدير شحنة من النفط على ناقلة ترفع علم كوريا الشمالية.
ورغم
اصدار النائب العام عبد القادر رضوان أمرا بمنع زيدان من السفر الى الخارج
لانه يواجه تحقيقا بشأن ‘مخالفات مزعومة منها إساءة استخدام المال العام’
تمكن رئيس الحكومة المقال من الهروب في ليل على متن طائرة خاصة عائدا الى
منفاه القديم في المانيا بعد توقف قصير في مالطا.
ولم
يلتقط الليبيون انفاسهم من متابعة انباء نجاح الناقلة في الوصول الى
المياه الدولية رغم اعلان زيدان و’الجيش’ عن الاستيلاء عليها، ثم انباء
استنفار ‘سلاح الجو’ الليبي وقصف ناقلة قرب المياه المصرية، او هكذا قالت
الحكومة.
الا
ان وزيرا عاد فقال ان الناقلة ‘تمكنت من اعادة تشغيل محركها بعد اطلاق
النار عليها من سلاح الجو الليبي’. وهو ما يشي بانها ‘ناقلة نفط بسبعة
ارواح’، ثم عاد واقر بأن ‘البحرية الليبية تفتقر للتجهيزات اللازمة لوقف
الناقلة’ وطلب مساعدات من مصر وايطاليا (…).
وقال
رئيس المؤتمر’قررنا اعطاء مهلة لمدة اسبوعين للجماعات المسلحة كحد اقصى
لفك الحصار عن الموانئ ‘، مضيفا ان ‘العملية العسكرية لاستعادة المرافئ
تأجلت حاليا’.
اما الحقيقة المأساوية التي يخفيها
هذا المشهد الساخر، فهي ان ميناء السدرة الليبي الذي انطلقت منه ناقلة
النفط (مورنينغ غلوري) او (مجد الصباح)، قد شهد عمليا ميلاد ‘دولة القاعدة’ التي اشرنا اليها في هذا المكان قبل ايام.
حيث
ان تدشين ‘خط ملاحي لتصدير النفط المهرب’ رغم انف اجهزة الحكم، ولا نقول
الدولة، في ليبيا، يعني انه اصبح للميلشيات المسلحة ‘شريان حياة’ لا يكفل
بقاءها فحسب، بل ويغريها بتوسيع نفوذها الى الشمال الافريقي بأسره.
ان
وصول ‘القاعدة’ واخواتها الى تحقيق هذا ‘المجد الصباحي’ جاء نتيجة سلسلة
طويلة من الاخطاء بل والخطايا ارتكبتها اطراف محلية واقليمية في حق ليبيا.
وهي اخطاء، للاسف، سيدفع الشعب الليبي الجزء الاكبر من ثمنها الباهظ.
وعند
هذه النقطة، لم يعد هناك مجال للهروب من الواقع، الذي يقول ان الكثير من
العمليات الارهابية التي شهدتها مصر وتونس والجزائر وحتى شمال مالي، كان
مصدرها شرق ليبيا الواقع تحت هيمنة الميلشيات المسلحة.
واصبح المطلوب اتخاذ كافة الاجراءات التي يكفلها القانون الدولي للحفاظ
على أمن ليبيا، قبل ان يتعاظم خطر تلك الجماعات بفعل الاموال الطائلة التي
ستجنيها من تهريب النفط.
اما
الدراما السياسية في ليبيا فلا تقل اثارة للسخرية، حيث ان المؤتمر الوطني
اتخذ قرارا بتكليف وزير الدفاع عبد الله الثني لتشكيل الحكومة، بدلا من ان
يقيله او يحاكمه باعتبار انه المسؤول الاول عن الفشل في منع خروج الناقلتين
المحملتين بالنفط المهرب.
وهكذا لا يصعب على الليبيين ان يتوقعوا نوع الحكومة التي سيشكلها.
وقرر
المؤتمر ايضا ‘انتخاب برلمان يقوم بانتخاب رئيس لليبيا’، لكنه لم يقل كيف
سيؤمن اجراء تلك الانتخابات، وهو الذي فشل في تأمين مقره مؤخرا من هجوم
الميلشيات.
لا
توجد اجابات سهلة للوضع المتأزم في ليبيا، وقليلون يمكن ان يتجرأوا على
التفاؤل في حضرة هكذا مشهد ينحدر بسرعة الى هاوية الفشل السياسي والاحتراب
الاهلي.
الا
ان دفن الرؤوس في الرمال سواء محليا او اقليميا او دوليا لن ينقذ هذا
البلد المهم من مصير بائس لا يستحقه، بعد معاناة طويلة وتضحيات عظيمة،
وامال سرعان ما تبددت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق