مواطنون عراقيون من الدرجة الرابعة
مواطنون عراقيون
من الدرجة الرابعة
هيفاء زنكنة
قد
يوجد في بعض الدول تصنيف غير واضح في درجة المواطنة، فيحتج المظلومون
بانهم يعاملون باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. هذا التصنيف غير
المقبول في حقوق المواطنة وصل، في العراق، حدودا لا يمكن تصورها عقليا.
اذ بالامكان تصنيف المواطنة الى اربع درجات وفق امتياز وكيفية ‘توفير الأمن’. فتوفير الأمن لـ ‘الموظفين الأمريكيين’ العاملين في العراق يختلف عن توفير الامن لساسة ‘العراق الجديد’.
كلاهما يختلف عن توفير الأمن للمواطن العادي. كما ان توفير الأمن للمواطن المقيم في معظم محافظات العراق،
يختلف عن توفير الأمن للمواطن المقيم في المحافظات الغربية مثلا. وهو
تقسيم فريد من نوعه، حيث المفترض، في ارجاء المعمورة، ان توفير الأمن له
معنى واحد وتطبيق واحد لجميع المواطنين.
ينعكس هذا التقسيم، بالضرورة على حقوق المواطن، عموما ودرجة ‘مواطنته’ من
ناحية ودرجة تقييمه كانسان، من الدرجة الاولى او الثانية، كما في الدول
المبنية على التمييز العنصري والديني والمذهبي من ناحية ثانية.
أنه،
باختصار شديد، تفتيت التفتيت.ولننظر الى انواع ‘توفير الأمن’ وكيفية
تطبيقه. يستند الاساس في كيفية التطبيق على من هو الشخص أو المجموعة التي
يجب توفير الحماية لها. منشأ وجوب توفير الحماية هو ان هذا الشخص او
المجموعة البشرية يستحق الحماية والحرص على سلامته، خلافا للبقية، لكونه
مختلفا عنهم، ويتميز بما لا يتصفون به اما من ناحية القدرات العقلية
والجسدية او السلطة أو الثروة.
أو كونه منتميا الى سلطة الاحتلال، وهذا هو جوهر التمايز في البلدان
المحتلة، او التي تعيش، كما العراق، في مرحلة التأرجح مابين احتلالين، فلا
هو قادر على التخلص الكلي من الاحتلال القديم (الامريكي – البريطاني) ولاهو
قادر على الاستسلام الكلي لما يشبه الاحتلال الجديد ( ايران) أو للتقاسم الأمريكي الإيراني للنفوذ.
مما يجعله، كونه بلا سيادة حقيقية، فريسة سهلة لقوى اخرى تحاول ان تنهش ما تتمكن من نهشه باي شكل من الاشكال.
ان
النوع الاول من توفير الأمن أي للموظفين الأمريكيين العاملين في العراق
يدل على انهم بشر من الدرجة الاولى وان ما يجب ان يتوفر لهم، وفق قرار صادر
من الادارة الامريكية ويجب تطبيقه على الارض العراقية الا انه غير ملزم
للنظام العراقي فيما يتعلق بموظفيه ومواطنيه، خاصة.
حيث
اعلن مسؤولون أمريكيون عن موافقة إدارة الرئيس أوباما على برنامج، تشرف
عليه وزارة الدفاع ( البنتاغون)، يهدف إلى ‘حماية المدربين العسكريين
الأمريكيين وغيرهم من الموظفين في العراق’. يبين هذا الخبر، اضافة الى
تمايز ‘الامريكي’، ووجود مستخدمي الحماية الأمنية، ان هناك اعدادا اضافية
من العسكريين الامريكيين سيرسلون الى العراق تحت غطاء التدريب والمساعدة.
وللتأكيد،
تم التصريح بانه ‘سيتم إرسال المئات من الأمريكيين إلى العراق من أجل
مساعدة سلاح الجو العراقي على التعامل مع مروحيات الأباتشي الهجومية’.
ينقلنا
هذا الخبر الى النوع الثاني من توفير الحماية أي المتعلق بمسؤولي النظام
وساسته. فلمعظم الساسة في ‘ العراق الجديد’ حماياتهم الخاصة المدفوعة الاجر
بمخصصات وزارية وبرلمانية وأخرى لا يعرفها غير المطلعين على الامور في
دولة ريعية يحكمها نظام طائفي فاسد.
أما هيكيلية النظام الاساسية (رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء
والقيادة العسكرية وقادة الميليشيات) والتي تتوفر لها الحماية الشخصية،
فانها محمية في الوقت نفسه من قبل الادارة الامريكية نفسها عبر توفير
السلاح والتقنية المتطورة والتدريب، وفق سياسة ‘واشنطن تجدد دعمها للعراق
في حربه ضد الارهاب’.
وهو عنوان يتصدر الصحف واجهزة الاعلام كلما لاحت في الافق العراقي بادرة
امل للدفع نحو التغيير الشعبي، وبضمنها التظاهرات والاعتصامات..
ولا
يجد رجال الحمايات مانعا من استهداف المواطنين او تنفيذ الاعدام الفوري
بهم في الشارع، كما حدث يوم السبت الماضي، حين اغتال ضابط في لواء الحماية
الرئاسية الصحافي محمد البديوي.
أما
النوع الثالث من توفير الحماية فهو اللاحماية، المتعلق بالمواطن العادي
المحروم من حرية الاختيار والذي يواصل العيش بمحض الصدفة. انه المواطن
المفروضة عليه حماية الميليشيات الطائفية (مثل حماية المافيا)
وابتزازعسكريي نقاط التفتيش ومسؤولي المعتقلات.
وهذا
الإبتزاز العسكري يشبه نظام الإقطاع العسكري. فالضابط يشتري منصبه مع
منطقة جغرافية ما، محافظة أو قضاء، ثم يقوم بفرض قواعد لمرور السيارات
والشاحنات تعتمد الحصول على رخصة عدم التعرض التي يجب دفع المبالغ المالية
لها من قبل الشركات أو المصالح التجارية.
ثم يلجأ الى مصادرة هذا الشيء أو ذاك وعدم إعادته الا بدفع مبلغ ما. ثم
يصل الى حد إحتجاز المواطنين وعدم إطلاق سراحهم الا بدفع الرشاوى. ان هذا
النوع الثالث من المواطن هو نفسه المتعرض بلا تمييز وبعدالة لا انسانية الى
التفجيرات والعمليات الارهابية المسلطة عليه من قبل ارهابيي النظام
والميليشيات، المتراوح ما بين عصائب الحق وفيلق بدر والقاعدة، والمرتزقة
ورجال العصابات .
حماية امنه هي رطانة سياسية يلوكها سياسيو النظام وسلامته الفعلية تتوقف
على عشوائية قدره او سوء حظه في احد الايام الدامية التي باتت سمة الحياة
التي لا مفر منها. ففي يوم الاربعاء الماضي، مثلا، تطايرت اشلاء المواطنين
في تفجيرات وحشية في الحلة وكربلاء وواسط والموصل وطوز خورماتو وبغداد
والأنبار .
اما
النوع الرابع من توفير الحماية فهو ما يشكل عكس الحماية أي حرمان المواطن
من الأمن أما بشكل فردي عن طريق استهدافه اعتقالا وتعذيبا واعداما أو بشكل
جماعي بواسطة فرض الحصار على المدن وقصفها وحرمانها من الامدادات الغذائية
وتهجير السكان مثلما يحدث في محافظة الانبار منذ شهور، بحجة: ‘دحر الارهاب
ومحاربة داعش وكل الارهابيين ومن يتعاون معهم من بقايا البعث الذين باعوا
انفسهم لهذا المجموعات الإجرامية’، كما يكرر نوري المالكي في خطابه
الاسبوعي متعاميا عن ان الارهاب الذي يتحدث عنه وبات ساريا في كل ركن من
اركان العراق، لم يكن له وجود قبل الغزو الانكلو أمريكي للبلد وقبل ان
يعتلي وتحالفه كرسي النظام وقبل ان يؤسس جيشا طائفيا همه الاول والاخير
ابتزاز الناس وارهابهم ولم يحدث وان دافع ولو مرة واحدة، كما يفترض، عن
حدود الوطن.
مما
يذكرني برواية ‘حرب وسلام’ للروائي الروسي تولستوي. تدور أحداثها في بداية
القرن التاسع عشر اثناء اجتياح نابليون بونابرت للأراضي الروسية، ودخوله
موسكو وانسحابه مهزوما امام مقاومة الشعب وشتاء روسيا
القاسي. ففي مقطع، كأنه كتب اليوم عن العراق ومقاومة الشعب وتشكيلة الجيش،
وهذه هي روعة الادب الانساني الكلاسيكي، يحاور بيير، وهو احد المشاركين في
المقاومة، نابليون أثر اعتقاله وقبل ان يأمر نابليون جنوده باطلاق النار
عليه. ما تجدر الاشارة اليه ان بيير كان من مؤيدي فرنسا بداية.
يقول بيير موضحا مشاركة الناس في مقاومة المحتل: انها ليست استراتيجية، يا
سيدي، انها حكمة سامية، بصيرة، فرصة للناس، الخدم أجبروا على أن يحموا
أنفسهم. بإمكانك احتلال دولة ولكن ليس الناس، الناس إما أن يخضعوا أو لا.
هذا لا يعتمد على المعتدي بل على الناس أنفسهم.
فيتساءل نابليون قائلا: : إذن، علي أن أدمر الناس؟ هنا، يواجه بيير القائد
العسكري ببديهية بسيطة بساطة الحقيقة، قائلا: ‘لم يعد باستطاعتك أن تفعل.
لم يعد لديك جيش. لديك مجموعة من القتلة فقط’.‘ كاتبة من العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق