المسئولية الغائبة.
. والمواطن الحائر
26/3/2014
د. إبراهيم قويدر
في نهايات النظام السابق وقبل اندلاع أحداث الثورة بعام أو أكثر ألغيت الأجسام المحلية الرسمية التي كانت تتمثل في مسمى أمين الشعبية أو المحافظ، ومنذ ذلك الوقت والمركزية أصبحت تتمركز في كافة مفاصل الدولة، ولا يوجد مسئول عن المنطقة أو المحافظة أو البلدية سمها كما شئت.
وبعد فبراير استمرت الحالة نفسها، ورغم تحذيرنا الدائم والمستمر منذ المكتب التنفيذي والحكومة الانتقالية الأولى بضرورة تسمية محافظين، والاهتمام بالحكم المحلي، ورغم صدور قانون الحكم المحلي- وإن كانت عليه بعض الملاحظات- ولكنه حتى هذه الساعة لم يدخل حيز التنفيذ، بل إننا دخلنا في دوامة انتخاب البلديات التي كان من المفترض أن تكون هناك مادة انتقالية تنظم تعيين عمداء البلديات وآلية اختيارهم، وكذلك المحافظين؛ ولكن الجهل بأمور إدارة الدولة خلال الفترة الانتقالية، والشعور السائد لدى المؤتمر الوطني وأعضائه بأنهم برلمان والحكومة المؤقتة بأنها "حكومة دائمة"- أدى إلى الدخول في عملية انتخابية لن تكون لها نتائج إيجابية في هذه الفترة الانتقالية.
الآن في القرية أو الفرع، لا توجد إدارة محلية على الإطلاق، لا في فرع بلدي ولا محلة، ولا إدارة شئون محلية لأي قرية من قرانا في ليبيا، ثم في المدن التي سبق وكانت بلديات أو كان بها مكاتب أو فروع للوزارات- الأمانات سابقًا- ما حدث أنه عين مراقبين للقطاعات معظمهم من الأمناء أو المراقبين السابقين ولم يتم وضع منسق أو مسئول عن المدينة او البلدية لكي يلم شمل كل هؤلاء المراقبين ويتعاونوا من أجل خدمة المنطقة كالمدينة والقرى المحيطة بها وفروعها، البلدية ومحلاتها.
إن الأمور الآن منذ ثلاثة سنوات متروكة للحظ ولاجتهادات بعض المراقبين وعلاقاتهم بالوزراء لتوفير الخدمات لهم، ولأن الوزراء ما زالوا جددًا وليسوا ذوي خبرة فإن معظمهم غير قادر على إدارة شئون وزاراتهم، فنجدهم غارقين كل يوم في الرسائل ومشاكل الإدارة العامة، أما المواطن الذي له علاقة مباشرة بالمراقبة في المنطقة- وإن تذكروه- فإن الأمر يتم، أما في حالة حدوث مشكلة أو اعتصام أو إضراب.
هذا هو حالنا لا يخفي على أحد، وهو واضح للعيان، ولا أعرف كيف يتعامل أصحاب المعالي النواب وأصحاب الفخامة الوزراء ورئيسهم مع هذه الحقيقة المرة الواضحة.
حتى الملف الأمني الذي يستحوذ الاهتمام الأكبر من المجلس الوطني والحكومة لا يتم التعامل معه بجدية؛ لأن وجود المسئول عن المنطقة تتبعه مديرية الأمن والحرس البلدي يساعد رجال الأمن المركزي والجيش في القيام بأعمالهم؛ ولكن هذه الحلقة المفقودة بل الضائعة، وهؤلاء الوزراء الذين في تصوري تم اختيارهم ضعفاء لإظهار قدرات الرئيس الذي هو أيضا لا يعلم كثيرًا عن أمور إدارة الدولة وأساليب عملها، ورغم أنه الآن بدأ يتحسس إلى حد ما طريقه، فقد ظهر وبرز التفكير في تغييره.
أتمني أن يهتم المؤتمر الوطني ويعين بقرار منه مسئولين عن المناطق يتم الاتفاق عليهم ليقوموا بمساعدة الحكومة في أداء عملها، وأن تقر موازنة العام القادم على أساس مناطقي، وننهي الموازنات المركزية التي سببت لنا العديد من المشاكل، نعم قد تحدث بعض الإشكاليات ولكنها حتمًا ستكون أفضل من الوضع المنحل، الفاشل بكل معنى الكلمة.
إن الإدارة المحلية مهمة ووجودها يساعد بشكل كبير وجِدِّي في تحقيق أمن المواطنين ويساعد على تحسين مستوى الأداء في الخدمات ويجعل هناك صوتًا واضحًا في الجهاز التنفيذي يتحدث عن كل منطقة، ولكن الأمر أيضا يتطلب خطوة جريئة في إلغاء العديد من الأجهزة المركزية، علي سبيل المثال لا الحصر- جهاز الحرس البلدي، جهاز السجل العقاري، والأجهزة المختلفة التي تقدم وتمنح التراخيص بجميع أنواعها الخاصة بالمواطن؛ لأن وجود جهاز مركزي لمثل هذه السميات لا فائدة منه إلا الاحتفاظ ببعض الصلاحيات التي تعقد المواطن فيما يقدمه من خدمات، فالأراضي والمساكن والمحلات التي في زليتن مثلا تنتهي إجراءاتها في مكتب السجل العقاري في زليتن، ولا داعي لوجود سجل عقاري مركزي، وهكذا الحال بالنسبة للحرس البلدي وتراخيص السيارات ورخص القيادة وغيرها من الخدمات.
أما جانب الإحصاء والبيانات وانسيابها فبالإمكان تنظيمه عن طريق هيئة البيانات والمعلومات التي من خلالها تنساب المعلومات إلي المناطق، ومن المناطق إلي البيانات العامة المركزية لتساعد في التخطيط وتقديم الأرقام الصحيحة حول كل مهمة أو خدمة أو دور من أدوار هذه المكاتب.
ليبيا تعيش الآن بحق مسئولية محلية غائبة تمامًا، والمواطن لا يعرف ماذا يفعل، بل إن الموظف نفسه حائر، خاصة إذا علمنا أنه مازالت العديد من المصالح والمكاتب في المدن والقرى لا تعمل ولا يأتي موظفوها، والحكومة تجتمع وتقرر، ولا أحد على المستوى القاعدي ملتزم ويعمل في عمله؛ لأن حلقة الوصل مفقودة.
يحدوني الأمل الكبير في أن ينتبه السادة في الحكومة والمؤتمر الوني لهذا الأمر ويعالجونه، بسرعة- كما أشرنا- لنبدأ في تنظيم أنفسنا وندخل عامنا القادم بشكل مختلف قليلاً- علي الأقل- عن الأعوام السابقة ليشعر المواطن في كل جزء من ليبيا بأن لديه مسئول من منطقته يلجأ إليه في حل مشاكله وإنهاء حاجاته.
د. إبراهيم قويدرi_guider@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق