التخوين بالظن والحكم بلا علم !!
التخوين بالظن والحكم بلا علم !!
حول قانون العزل السياسي ..
الأستاذ / فتح الله ساسى
قرأت
الخبر الذى أوردته - بوابة الوسط - " صوت ليبيا الدولي " ونشرته صحيفة "
ليبيا المستقبل " في 24 /2/ 2014والمتعلق بقرار المحكمة العليا بتأجيل
النظر في الطعن المقدم في " قانون العزل السياسي ، وهذا شيء طبيعي أن يكون
للقضاء حريته في التصرف في ما هو معروض عليه من قضايا .
ولكن
ما يدعو للغرابة .. هو وجود حشدأمام مبنى المحكمة العليا من المدافعين عن
" قانون العزل السياسي " المطعون فيه أمام الدائرة الدستورية رافضين أن
تنظر المحكمة العليا في الطعن الذى تقدم به 41 شخصية قانونية ، حيث تقدموا
بطعن دستوري في بعض نصوص القانون لكونها تتعارض مع بعض المبادئ التي نُصّ
عليها في الإعلان الدستوري .. فقد تجاهل دعاة العزل السياسي ! أن من حق
المحكمة أن تنظر في الطعن في المواد المطعون فيها ومن حقها أن تصدر قرارها
بقبول الطعن إذا وجدت في مواد هذا القانون أي تجاوز للدستور فيما يخص
الحريات العامة التي لا يجوز تحصين القوانين التي تمسها !..وتجاهلهؤلاء
المحتشدون أمام مقر المحكمة العلياأن القضاء لا سلطان عليه إلاّ سلطان
القانون والضمير ولكنهم يمارسون سلطانهم على القضاء كما مارسوه على المؤتمر
العام لإستصدار هذا القانون تحت التهديد والوعيد .. هؤلاء لا
يعنيهمالمختنقات التي يعانيها الوطن وما يترتب عن هذا القانون من تنافر
وفرقة وزيادة حدة التوتر بين الليبيين بقدر ما يعنيهم " قانون العزل
السياسي " المثير للجدل !..
كنا
نتساءل ماهي مصلحة دعاة العزل السياسيسواء من المتطرفين السياسيين
أوالمتشددين الإسلامويين من استصدار هذا القانون ؟! وكنا نتساءل أيضا ماهي
مصلحة الشعب الليبي من إصدار قانون جائر على هذا النحو المشوّه ويفرض فرضا
على الشعب الليبي ؟! قانون يجعل الليبيين يعزل بعضهم بعضاً ! .. والأدهى
والأمر انه عندما عرض مشروع قانون العزل السياسي على أعضاء المؤتمر للتصويت
عليهمُورست عليهم ضغوطعديدة تمثلت هذه الضغوط في مداهمة المؤتمر في منطقة
الكريمية ثم وضع توابيت أمام مقر المؤتمر على عدد أعضائه ، ثم محاصرة
الوزارات ونصب خيمة أمام مقر المؤتمر العام تحت إشراف ما يسمى بتنسيقية
العزل السياسي .. ثم جعل جلسة الموافقة على استصدار هذا القانون جلسة معلنة
بُثتّ على الهواء مباشرة لكي يُجبر الكل على الموافقة وإلاّ يصبح من رفض
القانون هدفا منظورا لقوى -منظورة وغير منظورة - ترهيبا وترويعا لمن يرفض
التصويت على القانون !.. وهو ما أشرت له في مقالي : " كلام الحق وأغراض
الباطل "
..
لم تكن الغاية من إصدار هذا القانون المعيب والممقوتهي مصلحة الشعب الليبي
أو حماية الثورة وتحصينها مثلما يُردّد هؤلاء .. ولكن ما وراء الظاهر كان
شيئا آخر .. وبواطن الآمور ليست كظواهرها ! .
إن التخوين بسوء الظن الذى استهدف شرائح كثيرة من خبرات مهنية وقدرات
علمية في كل التخصصات وإقصائها عن ميادين العمل باحتسابها على النظام
السابق دون النظر الى سلوك هؤلاء ومدى حاجة المجتمع إلى خبراتهم وتخصصاتهم
خصوصا في مرحلة بناء الدولة هو جريمة في حق الشعب الليبي وليس في حق
المقصيين وحدهم ! .
اصبح
الغرض من صدور " قانون العزل السياسي " واضحا وهو إقصاء
المنافسينالسياسيين للإستفراد بالمشهد السياسي طمعا في السلطة والتسلط وفي
تقلد المناصب التي ستصبح شاغرة في مؤسسات الدولة اذا ما طبق هذا القانون
!..
لازلت
أقول : لماذا يختزل دعاة العزل السياسي ومناصروه الدولة الليبية في شخص "
معمر القذافي " هؤلاء الذين سيستهدفهم قانون العزل السياسي ممن لم يتورطوا
في " قتل أو تعذيب أو في فساد أو في نهب المال العام " كانوا يعملون في
مؤسسات الدولة الليبية وليس لدى شخص : " ممر القذافي " ففي هذا تجنّ
وإساءة بالغة لهم وللشعب الليبي .. من منا لم يعمل في مؤسسات النظام السابق
؟! لا يوجد قانون يُجرّم من اشتغل موظفا في مرافق ومؤسسات حكومة النظام
السابق ولم يرتكب جرما معاقبا عليه قانونا ! وكان يفترض فيواضعي" قانون
العزل السياسي " أن يستهدفوا في صياغتهم لنصوص مواد القانون السلوك الشخصي
وليست الصفات الوظيفية ! .. لا أحد يملك أن ينشئ جريمة من فعل لم يرد نصا
قانونيا بتجريمه ، لا يوجد نص قانوني يُجرّم من عمل في مؤسسات ودوائر
النظام السابق .. فمن أين جاء هذا التجريم الجائر وعلى أيأساس وبأي منطق
يُعزل هؤلاء ؟! ..
إن
" قانون العزل السياسي" وليد فكرة خاطئة جائرة ومتخلفة عندما يستهدف شرائح
من المجتمع لم يرتكبوا جرما في حق المجتمعيُعاقب عليه القانون لكي يعزلوا
عن ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية .. إذا لم يكن المواطن الليبي متمتعا
بكامل حقوقه لن تكون هناك حرية أو مساواة في الحقوق الإنسانية فكيف إذا
قمنا بعزل مجموعة أو مجموعات منتقاة من شرائح المجتمع ومنعناهم من ممارسة
حقوقهم اعتقاداً منا بأنهم سيرتكبون جرما في حق المجتمع ! وهذا هو التخوين
بالظن والحكم بلا علم !!.
الذين
تورطوا في قتل وتعذيب الليبيينأو في فساد ونهب المال العام ، منهم من فرّ
الى الخارج ومنهم من قبض عليه في انتظار محاكمته !! إذاًمن الذى تبقى
لينغّص على الليبيين حياتهم ؟! فليقل لنا دعاة العزل السياسي من هم هؤلاء
الذين يخافونهم وأين هم الآن ؟!.. لماذا لا يكون القضاء هو من يعزل من
ارتكبجرما في حق الشعب ؟!..
وثمة سؤال طرحته ذات مرة في أحد
مقالاتي وهو : أين كان دعاة العزل السياسي وفرسانه حينما كانت تُزهق أرواح
الوطنيين الشرفاء في معسكرات الجيش الليبي رميا بالرصاص ويقتلون تعذيباً
في زنازين السجون ؟! .. ولو كان هؤلاء أحياءً لشملهم " قانون العزل السياسي
سيء الصيت ! .. أين كان دعاة العزل السياسي في ذلك المشهد النضالي الوطني
؟!.ألم يشمل " قانون العزل السياسي " سيء الصيت والسمعة نسور الجو من
الطيارين الليبيين البواسل الذين استشهدوا وهم يقاتلون مع الشعب الليبي
وسقطت طائراتهم محترقة وتفحمت جثثهم في ميادين القتال ؟! واحتسبوا هم أيضا
على النظام السابق ! ولا ننسى الشهيد البطل " على حدوث العبيدى " الذى
استشهد في مصراته وجسّد بدمه الوحدة الوطنية بين الشرق الليبي وغربه ! فهو
أيضا شمله " قانون العزل السياسي " الجائر ! .. سيكون هذا القانون وصمة عار
في جبين من أصدروه سواءطال الزمان أو قصر !!.
إن
قانون العزل السياسي لم يفرّق بين من انشق عن النظام السابق وانحاز للشعب
او قاتل في صفوفه وبين أولئك الذين ارتكبوا جرائم في حق الشعب الليبي ! ..
وهذه أولى المآخذ على هذا القانون الظالم الذى لم يفرق بين البريء والمجرم
وتعرض لإنتقادات منظمات إنسانية وحقوقية دولية بعد أن تكشف لها تعارضه مع
الحقوق الإنسانية التي نُصّ عليها في الميثاق العالمي لحقوق الانسانالذى
جاء في مادته الأولى : ( يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق ..) وجاء في مادته الثانية : ( لكل
إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات (كذا) الواردة في هذا الإعلان دون
أى تمييز ، فضلا عما تقدم فلن يكون هناك أى تمييز أساسه الوضع السياسي ..) وجاء في مادته الواحدة والعشرون الفقرة ثانيا : ( لكل شخص الحق الذى لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد ) !!..
إن
الظلم عادة ما يأتي من الذى هو قادر على رفعه !.. فقانون العزل السياسي
جاء من المؤتمر العام هو من أصدره ، فكان في مقدور هذا المؤتمر ألاّ يأتي
بمثل هذا القانون الظالم !. كثيرا ما أردد هذه العبارة وهي إننا بهذه
الانتفاضة الشعبية الكبرى ، نكون " كالذيبنى لنفسه قصراً ، ولكنه ظل يسكن
كوخاً صغيراًإلى جواره .. " ! لا يُريدأن يبرحه ! .. ما يحدث في ليبيا
الآن لايؤكد مفهوم الوطن الذى يفترض انه للجميع ، ولايؤسس لبناء دولة تتسع
لكل الليبيين ، بل نحن في حاجة الآن إلى شجاعة الاعتراف بالخطأ ، بالفشل ،
بالأزمة ، وبشفافية الإفصاح والصراحة والمصالحة ! ، هذا إذا كنا نريد أن
نقيم دولة !!.
لايجوز
في مطلق الأحوال حرمان المواطن من ممارسة حقوقه السياسية والمدنية ولا
أعتبر ذلك تعسفاً وتعدياً صارخاً على تلك الحقوق ..هؤلاء الذين اختزلوا
النظام السابق في شخص " معمر" يُريدون الآن أن يختزلوا ثورة فبراير التي
فجرها الشعب الليبي في شخوصهم !!.
إن من كانوا وراء هذا القانون من ذوى الفكر الاقصائي التخويني قد وسّعوا
العداء لانتفاضة 17 فبراير ووضعوا الشرائح التي استهدفها" قانون العزل
السياسي " مع شرائح أخرى كثيرة ترى في نفسها أن ظلما قد وقع عليها في خندق
واحد معادٍ للسابع عشر من فبراير وجعلوا من انتفاضة فبراير انتفاضة
انتقامية ثأرية بإمتياز !.
نحن نستغرب هذه الحدة والتطرّف والإصرار على إقرار " قانون العزل السياسي "
.. هل بالضرورة أن يعزل الليبيون بعضهم بعضا ؟! أو أن يُخوّن الليبيون
بعضهم بعضا ؟! أو أن يُقصي الليبيون بعضهم بعضاً ؟! بمثل هذه الحدّة
والتطرف ؟! .
وثمة
تساؤلات تطرح نفسها وبقوة : لماذا كان هذا الإصرار والحدّة على استصدار "
قانون العزل السياسي "ولم يكن هذا الإصرار من أجل إقامة الدولة المدنية
دولة القانون والحرية ؟! ولماذا لم يكن هذا الإصرار من أجل بناء الجيش
والأمن الوطنيين ؟! ولماذا لم يكن هذا الإصرار من أجل استصدار الدستور
وإصدار قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ؟! لماذا هذا الإصرار
لم يكن من أجل الإعمار وإعادة البناء ؟! .. وإنما كان من أجل : استصدار "
قانون عزل سياسي " جائر يثير التوتّر والتنافّر والشقاق بين الليبيين الذين
اعتادوا على حياة التآخي والمودة ونبذ الفرقة والشقاق ! هل مثل هذا
القانون هو ما كان ينقص الليبيين في وقت ينزف فيه وطنهم دما ؟!.
إن
دعاة العزل السياسي لا يُريدونأن يفهموا أنه لن تقوم الدولة الليبية دولة
القانون والحرية .. ولن يقام جيشها وأمنها الوطنيان ولن يكون هناك إعمار
وإعادة بناء في غياب المصالحة الوطنية التي اصبحت ضرورة الآن حتى يتصالح
الليبيون مع بعضهم البعض ويتجاوزواتراكمات الماضي المرير ! لن تقوم الدولة
ولن يبنى جيشها ولا أمنها الوطنيان في ظل " قانون عزل سياسي " أثار الكره
والشقاق وزاد من حدة التوتر والتنافر بين أبناء الشعب الواحد ووسع دائرة
العداء لانتفاضة فبراير ولايحتمل الشعب الليبي الآن لما يمر به من مختنقات
ونزعاتإنعزالية مدمّرة هي نتاج الفكر التخويني الإقصائي الذى يفرّق
ولايوحّد يهدم ولا يبني .. وسيدفع بما تبقى من الدولة الليبية نحو الدمار
الكامل .. عندها لن يجد الليبيون بمختلف نزعاتهم وطنا يعيشون فيه !!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق