الاديب الليبي سليمان أمنينة يسرد رحلته مع ‘سيرة الطرب’ التي جمعته بالشاعر أحمد رامي’
الاديب الليبي
سليمان أمنينة يسرد رحلته
مع ‘سيرة الطرب’ التي جمعته
بالشاعر أحمد رامي’
في تفاصيل كان شاهدا عليها وتنشر لأول مرة
طرابلس ـ من هليل البيجو:
سليمان
مصطفى أمنينة هو أحد وجوه مدينة بنغازي المشرقة وهو إلى جانب حضوره
الاجتماعي له اهتمامه الواسع بالثقافة والفن وله تاريخ طويل مع أسماء لها
بصمتها في عالم الشعر والأدب والموسيقا.
نشأ
في مدينة بنغازي وكان والده الحاج مصطفى أمنينة، من أعلام المدينة وكان
محبا للشعر والشعراء، ومنشغلا بالوطن وهمومه، وكان من أصدقائه شاعر الوطن
أحمد رفيق المهدوي، كما كان من رواة الشعر الشعبي والمهتمين بالأدب على وجه
العموم.
واشتغل
بالسياسة ردحا من الزمن عضوا لمجلس الشيوخ فجمع بين الوطنية والأدب
والسياسة، وفي هذه الأجواء نشأ نجله الأكبر السيد سليمان أمنينة.
وتشكلت ذائقته حيث وجد نفسه في مقتبل عمره شغوفا بالأدب والفن حريصا على
تتبع آثارهما في مضانهما، وكان له اهتمام خاص بتوثيق كل ما يستوقفه أو يلفت
نظره من الآثار الأدبية والفنية.
وقد حباه الله نظرة ثاقبة وعينا فاحصة إلى جانب رهافة سمع وحسن ذائقة مع
دقة تحر في كل ما يرويه أو يوثقه وقد كانت للسيد سليمان أمنينة يد بيضاء
على الشعر الليبي لا سيما في مدينة بنغازي حيث كان وراء صدور ديوان الشاعر
عبد الرحمن بونخيلة ‘ربيع متجدد’ إذ هو الذي جمعه.
كذلك
هو الذي جمع ديوان الشاعر معتوق آدم الذي جمعته به صحبة طويلة. إضافة إلى
أشياء أخرى كثيرة لم تزل مخطوطة عنده تنتظر دورها في الصدور.
يهتم
أمنينة بالفن والموسيقا وله مكتبة فنية نادرة تجمع بين الأغنية الشعبية
الليبية والأغنية الشرقية لا سيما تسجيلات أقطابها الأفذاذ: محمد عبد
الوهاب وأم كلثوم. ناهيك عن التسجيلات الخاصة التي تعمر بها مكتبته لأهم
المقارئ والمجودين للقرآن الكريم.
الطريق إلى الحلم.
في أكتوبر عام 1966م. ذهبت إلى مصر ‘للالتحاق بالجامعة الأمريكية ‘وكنتُ قبل ذلك قد أنهيت الثانوية في مدرسة بنغازي للبنين وكانت رغبتي للدراسة في بريطانيا ولكن نظام الدراسة هناك كان ‘يتطلب مني إعادة الثانوية ما يعرف بالإعداد للجامعة. أخدنا ‘الكورس′ أنا ونجيب مازق.
وفعلا تقدمنا للامتحانات ونجحنا ‘ولكن المجموع لم يساعدنا علي الاستمرار
لما يتطلبه من الوقت للانتظار، وإعادة المحاولة والحقيقة أنه ‘لا يوجد عندي
صبر.
كان
معنا أحد الأصدقاء السعوديين اسمه فؤاد العناني ‘التحق بالجامعة الأمريكية
بالقاهرة وأثنى ‘على الدراسة بهذه’الجامعة. ومن مقترحه توجهت إلى القاهرة.
في البدء كان رامي:
وفي
القاهرة تعرفت على عائلة من أصدقائنا في جمهورية مصر وكنتُ أتردد عليها
وهي عائلة صحافي مصري. وحينها كنا نسمع عن الشاعر أحمد رامي الذي أعجبنا به
مذ كنا صغاراً وما يكتبه لأم كلثوم يشدنا.كنت أتمنى أن ألتقي الشاعر أحمد
رامي و أسلم عليه.
أعود إلى علاقتي بالأسرة المصرية التي كنت أتردد عليها فذات يوم كانت
عندهم السيدة الممثلة المعروفة زوزو الحكيم ‘وحين تطرق الحديث الى الشاعر
أحمد رامي قلت للسيدة زوزو أنا أتمنى أن أراه. فرحبت وسعدت و قالت رامي
حبيبنا.
ودعتنا إلى العشاء في بيتها ووعدتنا أن يكون معنا في العشاء الشاعر أحمد
رامي وكانت تلك الليلة توافق 20 أكتوبر 1966م.حضر رامي و دار حوار بيننا
ومن تلك الليلة تولدت بيننا صداقة قوية على الرغم من فارق السن بيننا. في
ذلك الوقت كان عمري اثنين و عشرين عاما وهو كان تجاوز السبعين ورغم فرق
الثقافة وفرق السن أصبحنا نتواصل ونتسامر مرتين في الأسبوع ‘الخميس والأحد’
وأحيانا نلتقي في النهار حيث أمر عليه آخذه من البيت’ و نذهب إلى مقهى
ميرلاند وكل خميس نسهر معا.
إما في حفلة أم كلثوم أو في منزل الشاعر صالح جودت أو في أحد المقاهي.
واستمرت العلاقة على مدى أربع سنوات. وكان الشاعر أحمد رامي شخصية يصعب
وصفها فهو كما قال عنه الموسيقار الكبير عبد الوهاب حين سئل عن مجموعة من
الشعراء ‘وعندما طرح اسم رامي قال عبد الوهاب كل هؤلاء أحمد رامي.
أولا
هو علم وثقافة على أعلى مستوى يتحدث خمس لغات: العربية والفرنسية
والإنجليزية واليونانية والفارسية. ثقافته عريضة روحه مبهجة حضوره جميل لا
تشعر أنه مسن حين تجالسه بل يمنحك إحساسا بأنه في ريعان الشباب، خفيف الظل.
استمرت علاقتي به حتى بعد تخرجي وعودتي إلى ليبيا وانقطعت هذه العلاقة للأسف بعد انقطاع العلاقة سنة 74 بين ليبيا ومصر. وكانت آخر مرة رأيته فيها عام 76 و هو توفي في عام 1981.
رامي في ليبيا:
جاء
الشاعر الكبير أحمد رامي إلى طرابلس عام 1969م. وكنت أود دعوته الشخصية
إلا أن مدير السياحة آنذاك عبد الحميد بوسن اقترح دعوته بشكل رسمي، ضمن
مهرجان فني وتمت دعوته رسميا واستقبل استقبالا يليق بفنان كبير.
وأقام
في نفس الجناح الذي أقامت فيه السيدة أم كلثوم في ‘أوتيل ودان’ وقمنا
بدعوته بشكل شخصي مع مجموعة من أصدقائي وكان ممتناً جدا لزيارته ليبيا التي
استغرقت أسبوعا.
وقد ألّف قصيدة من أجمل ما كتب وهي بعنوان من الطائرة وقد كتبها وهو في
الطائرة من القاهرة الى طرابلس لقد تعرفت على شخصيتين أدبيتين، على الرغم
من كبر السن ‘ثمانون عاما’، وكانتا تعيشان بقلب شاب. أحمد رامي وعبدالرحمن
بونخيلة’. سئل رامي و هو في الستينيات كم عمرك فأجاب ثلاثين مرتين.
قبل رامي:
أما
بخصوص حفظ التسجيلات وتوثيقها فقد بدأت فيه منذ عام 1962 وأنا من طبعي أن
أحتفظ بالأشياء. فمازلت أحتفظ بقلمي وأنا طالب في الإعدادية. ولدي ساعة منذ
نجاحي في الإعدادية وما زالت تعمل حتى الآن.
وقد
كنت أسجل حفلات أم كلثوم من بريطانيا وبعدها ذهبت إلى مصر وعرفني بعض
الأصدقاء على شخص يدعى خليل المصري كان يدير شركة اسطوانات ولديه ‘دكان’
للاسطوانات والتسجيلات.
وكان
خليل يقوم بتسجيل الأغاني الساعة بجنيهين وذات يوم التقينا بفرقة الموسيقا
العربية وكان صاحب الاسطوانات و التسجيلات حاضرا وزكاني عنده الشاعر أحمد
رامي وعندما أدرك أنني محب للموسيقا والطرب قرر أن يخفض لي سعر تسجيل
الساعة الواحدة من جنيهين إلى جنيه ونصف.
وبعد
هذا اللقاء توثقت علاقتي مع صاحب دكان الاسطوانات حيث أطلعني على أرشيفه
الموسيقي منذ عام 1920 وقال لي انتق ما شئت منه وسوف أقوم بتسجيله لك.
فطلبت منه أن يسجل لي مجموعة أم كلثوم كلها تقريبا وعبد الوهاب وسيد درويش
وغيرهم.
وحين
عدت إلى ليبيا جلبت حقيبة بها 43 كيلو جراما من الأشرطة ولا أعرف كيف
وفقني الله في أن أخرج بها من مصر في ذلك الوقت كان ذلك في يونيو 70م
‘ودخلت بها إلى ليبيا بسلام.
ومعروف
أن أم كلثوم قامت بغناء 300 أغنية وأنني أملك منها الآن 265 أغنية. وقد
قادني حبي لأم كلثوم وتعلقي بها إلى خوض تجربة أخرى في التوثيق وهي البحث
عن التسجيلات النادرة للأغنية الواحدة وجمعت مجموعة لا بأس بها من أعمال
سيدة الغناء العربي النادرة وتسجيلاتها الفريدة. وبعد ذلك كله دخلت على
التقنية الجديدة التي اختزلت خزانتي الضخمة في ‘فلاش’.
وأنا
اليوم أسأل من سيهتم بهذا الكنز الغنائي؟ وإذا رجعت إلى بداية المشوار مع
التسجيل والتوثيق فإنني أقول لم تكن بداية مدروسة ولا مقصودة ولا متعمدة.
ربما بدأت مع دخول ‘الراديو’ إلى بيتنا لأول مرة في عام 1952 م. كنت صغيرا
حينذاك وأذكر أن خلافاً كبيرا حدث في البيت في اليوم الأول فبعض أفراد
الأسرة رأى أنه من العيب دخول مثل هذا الجهاز إلى البيت. وكنا نتحاشى أن
نستمع إلى الغناء في وجود أبي.
لا
أستطيع أن أدعي أن هوايتي مع التوثيق الفني نشأت كوني ترعرعت في صالون
ثقافي أو أدبي لا أو مدرسة بها جانب موسيقي يدرس. كان ذلك عيبا.
ربما
هي مسألة وراثية فقد علمت أن أبي كان يحب سماع الشعر وكان يستمع إلى
الشعراء ويحفظ الشعر، ورافق الشاعر أحمد رفيق المهدوي فترة طويلة وكانا
رفيقين في مجلس الشيوخ..’
وكانت
أول أغنية سمعتها لأم كلثوم بداية ارتباطي بصوتها أغنية ‘هجرتك’ في عام
1958 ثم تكررت اللقاءات والذكريات وتعرفت عليها عن طريق الشاعر الكبير أحمد
رامي واستمعت إليها مباشرة وهي تغني. وعرفت قصصا خفية لكثير من أغانيها.
أم كلثوم حالة من التجلي:
رأيتها
أكثر من مرة حين كنت مع أحمد رامي وصالح جودت وكانت تصافحني في كل
مناسبة.. وذات ليلة كنا على موعد مع حفلة خاصة هي هدية من أم كلثوم لأحمد
رامي في عرس بنته. وكان الحفل في نادي الضباط أسفل برج القاهرة. جاء رامي
وأم كلثوم يتعكزان على بعضهما بعضا. كان إلى جواري الشاعر صالح جودت. وكان
رامي مريضا تجاوز الثمانين عاما وكانت أم كلثوم عجوزا. جاءا متعانقين ولما
وصلا إلينا سلمت علينا أم كلثوم.
فقلت
للشاعر صالح جودت مستغرباً هل هذه أم كلثوم: قصيرة وسمراء ومسنة ويداها
معروقتان وعلى وجهها آثار الغدة الدرقية. لقد فاجأني ذلك كثيرا. ولما دعينا
لتناول العشاء قالت أم كلثوم بعصبية أنا لا أتعشى. وقالت يا رامي تحب تسمع
إيه؟ فقال: حيرت قلبي معاك.
دخلت
الفرقة إلى حيث أُعدّ الطعام وتناولت العشاء بعدها ركبت أم كلثوم إلى
المسرح نزعت نظارتها إلى هذا الحد أنا أرى ‘عجوز′ جلست على كرسي وراءها
تسعة عشر عازفا. قال رامي عن أم كلثوم في مقال له: إن أم كلثوم أول ما تسمع
انبعاث الموسيقى تصاب برعشة..بعدها تدخل في عالم آخر وهذا ما شاهدته
بعينه.
بدأت
الموسيقا رعشت وقفت ثم دخلت في عالم آخر. حين استهلت الأغنية أخذ
الميكروفون يخرج صفيرا فكلمت أحد الأشخاص وقالت له خذ الميكروفون. وغنت
لمدة ساعة تقريبا بدون ميكرفون ‘لـ350 شخصا وخلفها 19 عازفا. كان ذلك في
مايو67. كان عمرها 70 عاما!
حين
بدأت في الغناء قال لي رامي ألم تحضر معك المسجل العجيب؟ حيث كنتُ أملك
مسجلا صغيرا أول ظهور المسجلات. ولم تكن مثل هذه الأجهزة معروفة بكثرة في
مصر. وكان الشاعر أحمد رامي يسميه ‘التسجيل العجيب’. فقلتُ له: لا والله لم
أسجل..
خشيت أن أسألك عن إمكان التسجيل فتعتقد أنني أتيت فقط للاستماع لأم كلثوم والتسجيل لها. فقال لي وأنا معتمد عليك يا رجل.
عموما كانت ليلة جميلة وكانت هدية أم كلثوم لأصدقائها المقربين في أفراح أبنائهم.
أم كلثوم تؤلف شعرا:
هناك مقطع أخير في أغنية ‘حيرت قلبي معاك’ في كوبليه خاصمتك بيني وبين روحي حذفه رامي بناء على رغبة أم كلثوم. وهو قوله:
‘وأفضل ما بين نارين’
‘حبك وخوفي لأكون ظلمتك
من غير ما بان لي منك أسيّه
وأحمل ضنى قلبين
قلبي أللي حَبك
وقلبك أنت لو حنّ ليا’
حيث قالت له أم كلثوم: يا شيخ اتلهي هو في حد بيحب في الوقت ده بالشكل ده؟
وفي قصيدة ذكريات. يقول رامي:
‘كيف أنسى ذكرياتي
وهي أحلام حياتي
إنها صورة أيامي
على مرآة ذاتي’
عشت فيها بيقيني
ثم عاشت في ظنوني’
وقد ذكر لي رامي أن أم كلثوم قالت له: فسر… هل تعتقد أن كل الناس شعراء.
قال رامي: شعرت أنها تريد أن أغير شيئا.. فقلت لها: طيب قولي أنتِ. فقالت:
‘عشت
فيها بيقيني
وهي
قربٌ ووصال.
ثم
عاشت في ظنوني
وهي
وهم وخيال.’
وهكذا أصبح هذا المقطع من القصيدة بعد تعديل أم كلثوم.
ذكريات رباعيات الخيام:’
حاول
رامي كثيرا أن يقنع أم كلثوم بغناء رباعيات الخيام الذي قام هو بترجمتها
مباشرة من الفارسية. فكانت ترفض لتكرار كلمة الخمر فيها. فقال لها فلنحذف
الخمر. كان رامي عاشقاً للخيام. فقال: لم أزل معها حتى أقنعتها بغنائها.
بعد تبديل طفيف. حيث أصبحت:
‘سمعت
صوتاً هاتفا في السحر
نادى
من الغيب غفاة البشر
هبوا
املأوا كأس ‘المنى’
قبل
أن تملأ كأس العمر كفُّ القدر’
ترجم
رامي 164 رباعية وهو الوحيد الذي ترجم رأسا من الفارسية. وانتقى رامي وأم
كلثوم مجموعة من هذه الرباعيات وتصدى لها الموسيقار رياض السنباطي فكانت
عملا خارقا.
ومما له علاقة بهذه القصيدة تجلي أم كلثوم ودقة حسها وارتفاع درجة إحساسها بما
تغني. وكان ذلك في حفلة أقامتها بالمغرب عند بلوغها الرباعية التي تقول:
‘أطفئ
لظى القلب بشهد الرضاب
فإنما
الأيام مثل السحاب
وعيشنا
طيف خيال
فنل
حظك منه قبل فوت الشباب’
إذ سبحت أم كلثوم وهي فوق الخشبة في عالم الحب والهيام. ولم تشعر بنفسها إلا وهي تصدح:
‘اشعل
لظى القلب بشهد الرضاب’
لتكون بذلك أشعر الشاعرين. فالوصل عند أهل العشق لا يطفئ نارا. بل هو يؤججها.
وكان رامي يقول إن أم كلثوم تحفظ من الشعر ما لم يتخيله عقل.
لقد
كانت هي ‘ورامي يحفظان كثيرا من كتاب الأغاني ودواوين الشعر، إضافةً إلى
حسن إلقائها له. ومن أسرارها أنها تسمع لنفسها وتطرب لنفسها وتستحسن
وتستهجن. وقد وقفت على ذلك بنفسي ذات مرة غادر أحمد رامي المسرح وأعطاني
كرسيه. وكان بإمكانها أن تخرجني لكنها لم تفعل وقد شهدتها وهي تطري نفسها
في أحد المقاطع وتقول: الله الله الله.
وفي جانب آخر ولم تكن مسجمة جاء أحدهم يصفق من آخر الصالة ويداه مثل
‘القباقيب’ فقالت له يا شيخ بلا خيبة!
وهذا
كله يرجع لتنشئتها السليمة فوالدها وبعض المشايخ منهم ابوالعلا محمد وعلي
محمود قاموا بتحفيظها فن الإلقاء على أصوله وفن التجويد القرآني والإنشاد
الديني.
والطريف
أن أم كلثوم كانت تتعمد القسوة أحيانا مع الشاعر أحمد رامي. ولام عليها
أحدهم ذات مرة وقال لها يا ست لماذا تعاملين رامي هكذا؟ قالت له: ‘انتو
عايزين تقتلوا مواهبه.. ‘انتظر غدا واستمع لما سيبدع.. هو عاوز كده’.
وقد قال رامي في أم كلثوم ما لم يقله أي عاشق في معشوقته:
‘يا
اللي هواك في الفؤاد
عايش
في ضل الوداد
أنت
الخيال والروح
وأنت
سمير الأمل
يجي
الزمان ويروح
و
أنت حبيب الأجل.’
يقول رامي هذه الأغنية الوحيدة التي زعلت منها زوجتي. وهي كانت سيدة بسيطة. قيل لها إن رامي يحب أم كلثوم.
فقال لهم أنا أيضا أحب أم كلثوم. وقد كان كل ما غنته أم كلثوم لرامي كتبه
فيها دون غيرها ما عدا أغنية النوم يداعب في عيون حبيبي ‘لابنه محمد’ هي من
ألحان زكريا أحمد ‘وأقبل الليل في إلهام ابنته… كما انه لم يتقاض منها اي
اجر عن اغانيه طيلة 50 سنة الا في اغنية انت الحب حيث اجبرته على قبول2500
جنيه لتغطية زواج ابنته، قال لي رامي حسبت الحسبة طلعت الكلمة بعشرة جنيه
وكانت العشرة جنيه في الستينات لها قيمة.
‘
رامي وصالح جودت:
علاقة
وثيقة جمعت بين الشاعرين الكبيرين أحمد رامي وصالح جودت. وجودت يعتبر رامي
من انتقل بالأغنية المصرية من الكلمات الهابطة إلى قمم الخيال والإبداع و
الذوق الرفيع. وكلاهما قال شعرا رائعا خلد به صاحبه.
رامي وشوقي:’
كان
رامي هو من يلقي شعر شوقي في المحافل وكذلك كامل الشناوي. لأن شوقي لم يكن
يجيد إلقاء الشعر. وقدم شوقي الديوان الأول لرامي بأبيات رائعة:
‘يا
رامياً غرض الكلام مصيبه
لك
منهل في الشعر ليس يرام.’
نيلُ شوقي يغمر راميًا:
حكى
لي الشاعر الكبير أحمد رامي أنه في ليلة كان هو وشوقي في جاردن سيتي وكان
شوقي قلقا مرتبكا. يركب الحنطور ويتجول به ثم يعود. فعل ذلك أكثر من مرة
فقلت له ما لك قلق هكذا هذه الليلة يا باشا؟ فقال لي يا رامي أنا الليلة
كتبت أعظم قصيدة في حياتي قصيدة النيل (والتي غنت منها ام كلثوم حوالي
عشرين بين). ويصب علي مئة وثمانين بيتا. في كل طلعة 60 بيتا. يقول رامي:
‘الشعراء كَلُ برز في مجال. ما عدا شوقي برز في كل المجالات.’
ولشوقي زجل لم يكن يضع عليه اسمه وهناك أغان كثيرة ومواويل لعبد الوهاب من شعر شوقي.
لقائي مع الفنان سيد مكاوي.
عرفني
إلى الموسيقار سيد مكاوي الشاعر الكبير أحمد رامي في عام 1971م. واستمرت
علاقتي به حتى وفاته. كان شخصية رائعة فوق الوصف في جميع النواحي كرم خفة
دم ‘حبوب’.
تناولت العشاء مع الفنان سيد مكاوي في بيته وكان يرافقني صديق من قطر.
في تلك السهرة حضر الفنان عمار الشريعي. استمعنا إلى شريط لأم كلثوم
لاغنية انا في انتظارك حتى الفجر وهم يحللون مواطن إبداع أم كلثوم.
في عام 72 في طرابلس حضر السيد مكاوي ولحن أحد المقاطع عندي في بيتي لأغنية يا مسهرني. ثم جاء إلى بنغازي وأقام حفلة خاصة في بيتي.
أتذكر
أول مرة رأيت فيها سيد مكاوي كانت بعد إعادة فتح الحدود مع مصر في عام 76.
أتذكر بعد أن قمت بزيارته في البيت قال لزوجته الشريط الذي مكتوب عليه
‘سليمان’ جيبيه فإذا به تسجيل خاص وقال لي اسمعه امن شئت لكن لا تجعله
يتداول. هذا الشريط به تحفيظي لأم كلثوم لحن أوقاتي بتحلو كاملا. الذي
أذاعوا منه جزءا بسيطاً في مسلسل أم كلثوم.. وقد لاحظت على سيد مكاوي قدرة
كبيرة على الحفظ. لم أقابل في حياتي شخصا لديه ذاكرة كبيرة في الكلمات
والألحان على الرغم من أنه كفيف. يحقظ كلمات وألحان أغان طل ما قيل في مصر
منذ بداية القرن العشرين. يمسك بالعود ويغنيها فورا أي أغنية. سيد درويش
زكريا أحمد. وغيرهما.
*شاعر ليبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق