قانون العدالة الانتقالية الليبي
كلمة حق يراد بها باطل
د. فاطمة الحمروش
4/1/2014
لقد إطّلعت مؤخراً على قانون العدالة الإنتقالية، والذي كان قد أُقِرَّ بشهر سبتمبر عام 2013 ، من قبل المؤتمر الوطني العام بعد مراجعة النسخة الأولى منه والصادرة من المجلس الإنتقالي بشهر نوفمبر 2011.
تم إقرار القانون بالإجماع في إجتماع المؤتمر الوطني العام بالتاريخ المذكور أعلاه، ورحب الجميع ضمناً بهذه الخطوة باعتبارها إحدى البدايات تجاه الإنتقال من الثورة إلى الدولة.
بعد قراءتي لبنود القانون، قمت بالبحث بمحرك القوقل عن أي تفاعل شعبي أو إعلامي بخصوصه، فوجدت الخبر منقولا في نفس يوم صدور القرا في مجلة ليبيا الإخبارية كبشرى للشعب الليبي ثم تناقلته بالنص بقية وكالات الأنباء.
******
أضافت المجلة مع الخبر تصريحا من السيد النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني العام، الدكتور "صالح المخزوم" مفاده بأن هذا القانون هو "المفتاح لبدء الحوار والمصالحة الوطنية في ليبيا"، وأنه من القوانين الضرورية في دول العالم، خاصة بعد حدوث ثورات أو أزمات أو حروب، حيث يُلجأ إلى هذا القانون الإستثنائي الذي تنص مواده على نصوص إستثنائية تسمح بأن يكون هناك "جبر للضرر" وتكون هناك "تعويضات".
كما نقل الخبر أيضاً إشارة السيد "المخزوم" إلى أن أهم ما في هذا القانون هو أنه نصَّ على إلغاء التقادم، ثم أضاف، شارحا معنى قوله، بأن الجرائم السياسية التي ارتكبها أفراد تابعون للنظام السابق سيتم محاكمتهم عليها مهما مضت عليها من سنوات، مؤكدا بأن هذا القانون تنتظره المحاكم في ليبيا، خاصة بعد أن مثل أعوان النظام السابق أمام القضاء، فهم في حاجة ماسة إلى هذا النص الذي ورد في هذا القانون، وبناء عليه ستكون المحاكمات على كل الجرائم التي ارتكبها أعوان النظام السابق مهما مضى عليها من وقت، وأضاف المخزوم ايضا أن إقرار قانون العدالة الانتقالية قد تم بناء على توافق كبير بين أعضاء المؤتمر الوطني عليه وعلى ضرورة إصداره.
******
ما إن أتممت قراءة ما ورد حتى وجدت نفسي أقف لحظة صمتٍ، شعرت فيها بالمعنى الحقيقي لدقيقة الصمت التي تُطلب منا حداداً على روح الميّت! لقد نسف السيد المخزوم مبدأ العدالة من أساسه بهذا الشرح القاصر والذي لا يدل سوى على ضيق مجال بصر كل من رأوا في هذا القانون أي سمة للعدالة!
أطلب من القارئ أن يقرأ بتمعّن القانون المرفق مع هذا المقال، وأن يعيد من جديد قراءة ما ورد أعلاه... آمل أن يرى معي كيف "أغتيلت العدالة" بقانون العدالة الانتقالية هذا، وتم تأكيد ذلك لسان المبشّر به والذي يمثّل أعلى سلطة في الدولة الليبية، نائب رئيس المؤتمر الوطني!
إن كلامي هذا ليس نقدا في أشخاصٍ كأفراد بعينهم، ولكن، السؤال الذي يراود ذهني وبإلحاح الآن هو: كيف يمكن لقانونِ أن يصدر بغرض المصالحة والعدالة من الطرف المنتصر فقط، ومن جانب واحد، وبشروطه ولغته، وبدون أدنى مشاركة أو رأي من الطرف الخصم أو حتى من ينوب عنه، أو أي جهة محايدة أخرى ترى حقوق وواجبات الجانبين بدون تحيٰز أو تحامل، ثم يُطلق عليه "قانون عدالة"؟
إنه بصيغته التي جاء بها وبالطريقة التي سُنٰٓ بها، ينسف من الأساس أي مبدأ للعدالة، ويعمّق الجراح ويفتح أبواب جهنّم أمام سبل الوصل بين أبناء الوطن الواحد. إن قانون العدالة الانتقالية بصيغته هذه لم يعدِل بل ظَلَم!
لقد راجعت القانون كمواطنة لديها درجة متواضعة من الفهم للمنطق وللعقل، ثم للقانون، ومن الفهم للغة العربية التي ورد بها، وليس كمختصة في القانون، وراعني ما قرأته، إلا أن ما زاد من شعوري بفداحة الامر إلى درجة الفاجعة في مضمون ما ورد بالقانون المسمى بقانون العدالة الإنتقالية، هو أنه صدر وأُقِرَّ من قِبَلِ أعلى سلطة بالدولة، وبصيغة لا تمتّ للعدالة بشئ، وأقل ما يمكن أن يوصف به أنه قانون ظالم، وإنتقامي ونسف بصيغته التي ورد بها مبدأ العدالة نفسه وفي مهده.
أطلب من السلطات الليبية أن تراجع هذا القانون للمرة الثالثة، وتعيد صياغته من جديد بفكرٍ منفتح وعادل، يشمل جميع أبناء ليبيا شعبا واحداً ووطناً واحداً، وليس كشعبين عدوين، هذا إذا أردنا فعلا أن ننتقل مما نحن فيه إلى ما نطمح إليه، مع ضمان العدالة في مرحلة الانتقال، هذا هو التعريف الصادق للعدالة الإنتقالية.
سأرفق هنا القانون، وأطلب آيضا من الجميع الإنصاف لدى قراءته، وأذكّرهم بأن لا ينسوا المظالم التي حدثت بعد 17 فبراير 2011، والتي جميعنا شهود عليها، وليبحثوا عن أي إشارة لها في هذا القانون، لن يجدوا شيئا، لأنه لم يُصغ بروح التسامح، أو بنية العدالة، بل للإنتقام فقط. ولذا، فإن لا عدالة ولا انتقال من الحال الذي نعاني منه إلى الأفضل، في ظل هذا النوع من الفكر الظالم وهذا الإجماع القاصر، والذي لن يزيدنا الا ظلما وظلاما.
والله المستعان
Dr Fatima Hamroush
FRCS (Ed) Ophth, DO, MBBS
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق