ما جعل ,, مانديلا ,, عظيما هو ما جعله انسانا !!
ما جعل ,, مانديلا ,, عظيما
هو ما جعله انسانا !!
,, ان المصالحة سياسة مريرة ولكنها
ناجحة ,,
الكاتب / فتح الله ساسي
جاء ,, نيلسون مانديلا ,, من الزنزانة الى كرسي الرئاسة ! بقلب يملؤه الحب
والتسامح والتصالح ، فلم يكن هذا المناضل المسالم انتقاميا أو إقصائيا !
وانما كان ينظر للمستقبل بتفاؤل وبواقعية وقبول الآخر دون أن يلتفت الى
تفاصيل الماضي المرير ! .. كان خياره هو الخيار الأمثل ، فلولا هذا الرجل
الأنسان لانجرفت جنوب افريقيا الى حرب أهلية أو الى دكتاتورية جديدة ! ..
صفح ,, مانديلا ,, حتى على الذين زجوا به في السجن ! فكان أكثر انسانية
وسخاءً على الآخرين حتى على مضطهديه .. كانت أمنية ,, مانديلا ,, قبل ان
يصل الى كرسي الرئاسة هو : ,, رؤية المجتمع حر وديمقراطي يعيش فيه الجميع
بتناغم ويتمتعون فيه بفرص متساوية ,, .
ولهذا أرى أنه من الضروري لليبيين أن يُعيدوا قراءة رسالة هذا المناضل
الافريقي الراحل " نيلسون مانديلا " التي وجهها للثورات العربية ، وهي
وثيقة ذات نفس تصالحي جسّدت روح الحب والتآخي والتصالح.. اتمنى ان يقرأها
الليبيون ويسترشدون بها ! فنحن أحوج الآن الى كل كلمة وردت فيها .. يقول
الراحل " نيلسون مانديلا ":
( .. إخواني في بلاد العرب إخواني في تونس ومصر .. أعتذر أولا عن الخوض
في شئونكم ، وسامحوني إن كنت دسست أنفي فيما لاينبغي ، ولكنني أحسست أن
واجبي النصح أولا ، والوفاء ثانياً لما أوليتمونا إياه من مساندة أيام
مقارعة الفصل العنصري يُحتمان علي رد الجميل وأن أبدي برأي محصّته التجارب
وعجنته الأيام ، وأنضجته السجون .. أحبتي ثوار العرب : لازلت اذكر ذلك
اليوم بوضوح ، كان يوما مشمساً من أيام ” كيب تاون ” خرجت من السجن بعد أن
سلخت بين جدرانه عشرة آلاف يوم ! خرجت إلى الدنيا بعد أن وُوريت عنها سبعا
وعشرين سنة لأني حلمت أن أرى بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد !
ورغم أن اللحظة أمام سجن ” فكتور فستر ” كانت كثيفة على المستوى الشخصي إذ
سأرى وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن ، إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي
حينها هو : كيف سنتعامل مع ارث الظلم لنقيم مكانه عدلا ؟! ، أكاد أحس أن
هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم !، لقد خرجتم لتوّكم من سجنكم الكبير ، وهو
سؤال قد ُتحدد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم !! ،
إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم !، فالهدم فعل سلبي والبناء فعل
ايجابي !، أو على لغة احد مفكريكم : ” حسن الترابي ” فان إحقاق الحق أصعب
بكثير من إبطال الباطل !!
أنا لا أتحدث العربية للأسف ، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن
تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس تشير بان معظم الوقت هناك مُهدَر
في سبّ وشتم كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة ، وذاك
أمر خاطئ في نظري ، انأ أتفهم الأسى الذي يعتصر قلوبكم !، وأعرف مرارات
الظلم ماثلة ، إلا أنني أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد
يسبب للثورة متاعب خطيرة !، فمؤيدوا النظام السابق كانوا يسيطرون على المال
العام وعلى مفصل الأمن والدولة ، وعلاقات البلد مع الخارج ، فاستهدافهم قد
يدفعهم إلى أن سيكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز
عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن ، وانتم في غنى عن ذلك .
أحبتي : إن أنصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد
يشكل استهدافها وغيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن انتم في
غنى عنه الآن ، عليكم إن تتذكروا أن أتباع النظام السابق هم في النهاية
مواطنون ينتمون لهذا البلد ، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي اكبر هدية للبلاد في
هذه المرحلة ، ثم انه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحرأو تحييدهم نهائيا ! ،
ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من
أبجديات ما بعد الثورة !.
أعلم أن ما يُزعجكم أن تروا ذات الوجوه التي كانت ُتنافق للنظام السابق
تتحدث اليوم مُمجّدةً الثورة ! ، ولكن الأسلم أن لا توجهوهمبالتكبيت إذا
مجدوا الثورة ، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدُوهم ، وثقوا أن المجتمع في
النهاية لن ينتخب إلاّ من ساهم في ميلاد حريته ! ، إن النظر إلى المستقبل
والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير!،
اذكر جيدا إنني عندما خرجت من السجن كان اكبر تحدى واجهني هو : إن قطاعا
واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق
!، لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه
لانجرفت ” جنوب إفريقيا ” إما إلى الحرب الأهلية ، أوالى الدكتاتورية من
جديد !، لذلك شكلت ” لجنة الحقيقة والمصالحة ” التي جلس فيها المعتدى
والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر، إنها سياسة مريرة ولكنها
ناجحة !..
أرى إنكم بهذه الطريقة وانتم أدرى في النهاية ، سترسلون رسائل اطمئنان إلى
المجتمع الملتف حول الدكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل
الديمقراطية والثورة ، مما يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير
كما يحجّمون خوف وهلع الدكتاتوريات من حجم ما ينتظرها !، .. تخيلوا لو أننا
في ” جنوب إفريقيا ” ركزنا كما تمنى الكثيرون على السخرية من البيض
وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم ، لو حصل ذلك لما كانت قصة ”جنوب
إفريقيا” واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني الكبير ! .. أتمنى أن تستحضروا
قولة نبيكم : ” اذهبوا فانتم الطلقاء ..” ) !!.
أكرر قول : ” نيلسون مانديلا ” ( .. إن قطاعا واسعا من السود كانوا يريدون
أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق ولكنني وقفت دون ذلك !
وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما
إلى الحرب الأهلية أوالى الدكتاتورية من جديد ) ! .. هذا القائد الثائر
عندما كان على كرسي الرئاسة وحظي بإجماع شعبي كبير لم يحاكم رموز النظام
العنصرى المطاح به أو من كان على صلة به ، ولم يصدر قانونا " للعزل
السياسي" ليقصي ويعزل به من يريد ! ، ولم يسجن أحدا أو يُذلّه ! هذا هو
سلوك الثوار الاحرار الذين قلوبهم على الوطن وتجاوزوا رواسب الماضي البغيض
ويريدون اقامة الدولة فعلا لا قولا ! هؤلاء هم من سيخلدهم التاريخ وهؤلاء
هم من فقدتهم الانسانية .. وهؤلاء هم من يجب ان نتعلم منهم قيم الثورة
والنضال ! وقد قيل عنه : ما جعل " مانديلا" عظيما هو ما جعله انسانا ، لقد
رأينا فيه ما نبحث عنه في انفسنا ! فقد كان الرجل الذى ضحى بحريته من أجل
حرية الآخرين فكان الثمن أن سجن "عشرة آلاف يوم" قضاها في غياهب السجون في
" جزيرة روبن آيلاند ، ثم في سجن بو لسمور ، ثم في سجن فكتور فيرستر ..!
كان ” نيلسون مانديلا “ زعيما لانتفاضة السود في ” جنوب إفريقيا ” واحترمت
جموع السود اختياره الذي كان هو الأفضل ..كان يقول : " ان الحرية لا تقبل
التجزئة لأن القيود التي تكبل شخصا واحدا في بلادي ، انما هي قيود تقيد
أبناء وطني أجمعين .." ورفع شعار المصالحة الوطنية وكان يقول عن المصالحة
الوطنية : " انها سياسة مريرة ولكنها ناجحة " لم يرث هذا الرجل المال أو
السلطة وانما ورث حب الانسانية جمعاء .. اذاً ليست الثورة انتقاما وعداءً
وتخوينا واقصاءً .. وليست قتلا واقتتالا .. وليست اثارة للفتن وبث روح
الشقاق والتنافر بين ابناء الوطن الواحد .. وليست طمعا وحبا للذات .. وانما
هي أكبر وأعظم من هذا كله .. فالثورة وببساطة .. ما تحلى به هذا الرجل من
خلق انساني ومسلك حضاري وتضحية ونفس تصالحي .. والسؤال الذى يفرض نفسه في
هذا المقام : من منا نحن الليبيين أو العرب ليفعل ما فعله المناضل والمقاتل
المسالم والزعيم الراحل : " نيلسون مانديلا " ؟! .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق