المواطنون فى دول الربيع العربى والمقارنة مع الماضى
المواطنون فى دول الربيع العربى
والمقارنة مع الماضى
المهندس / فتح الله سرقيوه
تحدثت مع أحد المُخضرمين
الذين لايُشق لهم غبار فى التراث الشعبى والتاريخ الليبى القديم والمعاصر
وهو رجل شاعر تجاوز العقد الثامن من العمر وتقلد العديد من المناصب فى
العهد الملكى ، كان دائماً يحكى عن شبابه الذى عاش فيه (بالطول وبالعرض)
حسب قوله فى نظام ديمقراطى برلمانى تسوده الحرية والديمقراطية والعدل
والمساوة والمحبة بين الناس والتراحم فيما بينهم ، وكان يقول يوم أن إستولى
القذافى على الحكم فى 1969م وقام بخطف ليبيا من بين أيدى ساسة النظام
الملكى نظام الإستقرار والتنمية إعتبرت نفسى فى حالة ترقب وإنتظار لمعرفة
ما يدبّره ذلك الحاكم العسكرى الجديد الذى إستولى على حكم ديمقراطى برلمانى
على رأسه ملك صالح لم يظلم أحد من أبناء الشعب الليبى وكنت أقول لابد أن
هذا الحاكم سيُقدم للشعب الليبى ما هو أفضل من ذلك الدولة الملكية
الديمقراطية البرلمانية ، ولكن بعد أن كشّر عن أنيابه فى سنة 1977م أيقتنت
أن ليبيا راحت فى (داهيه) وإعتبرت نفسى إنتقلت إلى رحمة الله ولم أنهض من
قبرى إلا فى 17 فبراير 2011م بعد أن سمعت هتاف الشعب الليبى (الشعب يريد
إسقاط النظام) ففرحتى كانت فرحتين ، الأولى إعادة الحياة إلىّ مرة ثانية ،
والثانية سقوط النظام الذى كان سبباً فى موتتى الأولى !!. كلام لا يصدر إلا
عن حكيم له خبرة فى الحياة وشفافية فى الحديث والصدق مع النفس .
ويضيف .. ولكن بكل أسف
وأنا أترقّب وإنتظر وأتابع فى كل صغيرة وكبيرة لم أشعر أبداً أن هؤلاء
الحكام الجدد أو السياسين المؤقتين ثوار أو عسكريين أو مدنيين أو خبراء
لديهم برنامج عمل وطنى من أجل الوطن فهمهم الأول (المناصب) وهمهم الثانى
(المكاسب) وهمهم الثالث (أمنهم وسلامتهم) ولم يهمهم الشعب لا من قريب ولا
من بعيد !! فمنهم من يحمل جوار سفر أجنبى فى جيبه ويمكنه أن يهرب عبر
الحدود الغربية أو الشرقيه أو حتى بقارب عن طريق البحر مثل أصحاب الهجرة
غير الشرعية عندما يشعر أن حياته وحياة أسرته فى خطر إذا كانت تقيم معه فى
ليبيا أصلاً ، أو حسابه المصرفى فى الخارج قد يتأثر من أى مُتغير جديد ،،
وهنا قال ذلك الحكيم فى حسرة يبدوا أنه كُتب علىّ أن أموت مرة أخرى ولكن
لم يعد فى العمر بقية لكى أسمع هتاف آخر من الشعب الليبى يقول (الشعب يريد
إسقاط البلاعيط) .. ثم تنهد وقال هناك عناوة علم تقول (خطّم جديد إعلقت فيه
.. خطر قديم رديت لاورا) وهو يعنى بذلك أن هناك أمور إستجدت على الوطن
وأيقضتنى من نومى العميق فقمت بمسايرتها لعلها تكون فى صالح شعبنا ومستقبله
وما أجمل التضحيات فى سبيل الوطن للخلاص من الظلم والإستبداد ولكن للأسف
لم تكن كذلك ، فربما إستبدلنا دكتاتوراً بمئات أشد منه وأنهينا ظلماً بظلم
أكثر تطوراً .
وديكتاتورية أخرى تخطت
كل الدكتاتوريات السابقة وأستبدلنا لصوصاً بشهادات عليا تخصصوا فى نهب
المال العام والتزوير فى الأوراق الرسيمه ، ويقسموا عليها أنهم لم يروها
وهى فى أيديهم ، مما جعلنى أرجع للخلف لأتذكر الماضى الذى ربما كان أقل
نهباً وسرقة فمن كانوا يسرقون فى النظام السابق لا يملكون شهادات
الدكتوراه ولذلك سرقاتهم محدودة بالآلاف أو مئات الآلاف، أما اليوم
فالسرقات بالملايين والمليارات ، وربما كان النظام السابق أقل ظلماً
وإستبداداً فالظلم والإستبداد والقهر والتعذيب فى السجون السرية الذى
نشاهده عبر وسائل الإعلام على يد أشباه الثوار وغيرهم أشد وأقسى لأن من
يُعذب ويخطف اليوم ناتج عن تصفية حسابات أو أحقاد شخصية ودفينه مع العلم
أنه يملك مئات الآلاف بل الملايين من خلال ما تحصل عليه فى الجبهات من
غنائم أو مكافآت من الدولة عن طريقة الإبتزاز ، بينما من كان يُعذب فى ذلك
النظام المُستبد مأمور من أجل الحفاظ على أسياده ومرتبه الذى يتقاضاه ، ولا
شك أن الظلم والإستبداد والقهر يظل عملية نسبية ، فلم أشاهد فى حياتى التى
قضيت عقود منها بعيداً منفرداً إستبداداً وقتلاً وخطفاً وتعذيياً
وإعتداءاَ على الحرمات بهذا الشكل ، ونهباً للمال العام بهذه الطريقة
وكأننا مُستعمرين لدولة ضعيفة غير دولتنا الحبيبة (ليبيا) أوإستأجرنا أرضاً
نريد تفريغها من أهلها وثرواتها فى أقل وقت ممكن .
لقد بلغ السيل الزبا وطفح
الكيل من ما نشاهده من الساسة الجدد فى ليبيا وتدنى خبرتهم فى العمل
السياسى وإفسادهم فى المال العام وتآمر تكتلاتهم على بعضها البعض وهى التى
إبتلانا بها الله ، وعدم قدرتهم على إنجاز أى شئ فيما يتطلع إليه المواطن
الليبى فلا حرية ولا كرامة ولا أمن ولا أمان ، وجوه أغلبها وافده كنا نتوقع
منها الخير وإذ بهم عقدوا العزم على النهب والسرقة والتطاول على المواطن
وتأخير مدة مهمتهم إلى أبعد ما يكون حتى يضمنوا إنسياباً مستمراً من أموال
الشعب الليبى ، هذه الأمور أوصلت المواطن الليبى للمقاربة بما كان يحدث فى
النظام السابق بالقول (فساد أهون من فساد وهذا يعنى أن فساد القذافى
وأتباعه كان أقل بكثير من فساد هؤلاء (الجدد).
للأسف هذه المقارنة هى أخطر
بكثير من أى إحتجاجات وإعتصامات سلمية أو مُسلحة يقوم بها أبناء دول ثورات
الربيع العربى ، ونحن اليوم نترقب بعد ساعات وبالتحديد فى 30/6/2013 وما
سُمئ بيوم التمرد فى مصر لإسقاط النظام الإخوانى والذى نسأل الله تعالى أن
يُجنب مصر الغالية الصدام المباشر بين الشعب المصرى ومؤسسته العسكرية بسبب
أتباع الإخوان المرفوضين بالأغلبية العظمى من أبناء مصر وهم أدرى بوضعهم
وبلدهم ،، فعندما يقف أحد المصريين ويرفع صوته إلى السماء أمام حشد من
المواطنيين ليقول (سامحنا ياريس ، حقك علينا يا ريس ، إحنا بنحبك يا ريس)
لا تعتبرون ذلك ردة أو حنين للنظام السابق فى مصر من هذا المواطن أو غيره
بل هى الحسرة والندم ورب الكعبة على فقدان الأمل والثقة فى الساسة الجدد ،
ومثلهم أبناء تونس وما يعانونه اليوم من حسرة على فقدان الأمل الذى وعُدوا
به عندما كانوا يتساقطون شهداء فى الساحات من أجل أن ينعموا بالحرية ، فأين
الحرية اليوم ؟ وأين الوعود ؟
وأبناء ليبيا الذين لا
يُخفون اليوم مدى إمتعاضهم ممن وصلوا إلى كراسى المؤتمر الوطنى والحكومة
(الذين لم يستحوا على وجوههم مناقشتهم فى أول إجتماع لهم المرتبات التى
ستمنح لهم نظير خدمة وطنهم )، وكـأنهم فى بلد أجنبى يريدون تقديم خدمة له
بمقابل .. أين الإنتماء الوطنى وأين الخجل ؟؟ !! وحكومة تكنوقراطية همها
النسب المئوية والصفقات مع الشركات العالمية والتآمر على مشاريع التنمية ..
فهل يرضى ألله سبحانه وتعالى الذى يقول فى كتابه العزيز (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) وقول سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق