الجبل الأخضر
بين مطرقة الأعداء وسندان الأحبة
المهندس / فتح الله سرقيوه
يقول الله تعالى فى كتابه العزيز ) ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون) الروم: 41. صدق الله العظيم .
الجبل الأخضر ، هذه
الجغرافية التى قلما يوجد مثيلاً لها فى العالم ، هذه الأرض الطيبة
المعطاءة وأهلها الطيبين أصحاب الفزعة والمروءة وإكرام الضيف تعلموا من هذا
الجبل الصبر والذود عن المظلوم وصلة الرحم وتعلم منهم الجبل الأمن والأمان
والأحضان الدافئة لكل لاجئ ومضطهد يرتمى فى أحضانه من أجل الحماية والعيش
الكريم ، هذا الجبل الشامخ الذى حارب مع أهله الذين تصدوا للإستعمار
الإيطالى فكان لهم عوناً وسنداً وحماية ففى كهوفه كان الملاذ الآمن
للمجاهدين ومن أعشابه الطبية النادرة كان الدواء للجرحى ومن عسله المضاد
الحيوى لجروح المجاهدين ومن ثماره ومزروعاته كان الدعم اللوجستى الغذائى
لحركة الجهاد .
لقد كانت أعين الغاصبين
على هذا الجبل الأشم على مدى التاريخ لأنهم يعرفون مدى تعلّق الليبيين به
ومدى إدراكهم لأهميته بالنسبة إليهم ، لقد خطط جنرالات إيطاليا بمساعدة
ضعاف النفوس من أهل الوطن لإيذاء هذا الجبل بجميع الطرق التى لا تخطر إلا
على الشياطين للعديد من المرات منذ 1911م وهى السنة التى دخلت فيها قوات
الغزاة الأرض الليبية ، حيث نصحوهم أولئك الخونة بأن حركة الجهاد لا يمكن
أن تتوقف إلا بنقل أهلنا من قرى ونواجع هذا الجبل إلى مكان صحراوى بعيد
لقطع الدعم والمد العلاجى والغذائى لأدوار الجهاد وأحياناً إستخدام وسيلة
الحرق لغاباته حتى يفقد المجاهدون غطاءهم الآمن الذى يحمى أسلحتهم وذخائرهم
ودعمهم اللوجستى الذى يأتى إليهم من الحدود الشرقية بالذات ويتم تخزينه
بكهوف الجبل الأخضر ، ولا ننسى إستخدام (السفاح جرسيانى) الغازات السامة
المحرمة دولياً بالجبل الأخضر ضد المجاهدين.
أحد حرائق البيضاء
منطقة الوسيطة خلال الشهر الماضى
وتتواصل محاربة وإيذاء هذا
الجبل العظيم ، ففى 1996م تآمر عليه ذلك النظام المستبد عندما علم بأن
الشباب المجاهدين قد إتخذوا من كهوف ووديان هذا الجيل ملاذاً آمناً لهم بعد
أن حاصرتهم أجهزة النظام ومُخبريه فى كل مكان فلم يجدوا بُداً من
الإستغاثة بهذا الجبل الذى إحتضن وآوى الآباء والأجداد وكان لهم عوناً فى
مقاومتهم للإستعمار الإيطالى ، وهنا تحركت النزعة الشريرة والحقد الدفين
لدى أتباع النظام الذين قرروا التآمر ورسم الخطط لتدمير غابات الجبل الأخضر
وقاموا برش أجزاء كبيرة منه بمادة كيميائية عن طريق الطائرات فى منطقة
الأثرون ورأس الهلال ووادى الإنجيل بقرية (كرسه) وأعلى وادى درنه ووادى
المعلق ، ثم ألقت عليه الطائرات حمم من النيران لكى يتم حرقه دون رحمة ولا
إنسانية ولا مراعاة للبيئة النباتية ولا الحيوانية البرية ونسوا أن أبطال
الجهاد ضد النظام فى تلك الفترة هم أبناء الجبل الذين ترعرعوا فيه وفى
مدنهم وقراه ونواجعه وغاباته فما من منطقة بالجبل الأخضر إلا ومنها أبطال
شاركوا فى تلك الفترة التى إنتفض فيها شباب درنه والبيضاء والقبه ضد الظلم
والإستبداد.
غابات جبال الأثرون ورأس الهلال التى أحرقت
فى 1996م من قبل النظام السابق لا زالت
لم تعُد كما كانت فى السابق
تلك الحادثة لا زالت شاهدة
على الجريمة البشعة التى إرتكبها النظام السابق فى حق الجبل الأخضر وإننى
أتذكر أن أحد الضباط الإمعات كان يتبجح فى حراسة أتباعه قد ردد فى أحد
الإجتماعات بدرنه بقوله لقد حرقنا الغابات عليهم وخرجوا هاربين وورائهم
الحيوانات البرية ونسئ هذا الإمعة أنه بمشاركته فى تلك الجريمة سيلعنه
التاريخ ويلعن أبنائه وأحفاده وإلى يوم يرث الأرض ومن عليها .
واليوم أيها السادة الكرام
ونحن نشاهد غابات الجبل الأخضر وهى تحترق أمام أعيينا فى البيضاء (الوسيطه)
ورأس الهلال والأثرون وغيرها ونفقد أعشابنا الطبية ومنها نباتات العرعار
والإكليل والشمارى والبطوم ومزارع النحل والغطاء النباتى والثروة الحيوانية
البرية ، وفى كل حريق نلجأ للدول الأوروبية نطلب المساعدة فى إطفاء هذه
الحرائق لأن حكومتنا لا زالت ضعيفة بالرغم من المليارات التى وضعت بين
أيديها من ميزانيات تفوق الخيال … نحن اليوم لا يوجد لدينا عدو واضح
المعالم ولا إستعمار إيطالى يحتل أرضنا بالرغم أن من ساعدنا فى إطفاء هذه
الحرائق هى الدولة التى يوماً ما تُصنّف عدوة ومستعمرة ، وقد إنتهى النظام
السابق بفضل الله وثورة فبراير ذلك النظام الذى إرتكب جريمة حرق الجبل
الأخضر فى 1996م لمحاولة القضاء على المجاهدين الشباب .
اليوم .. لقد تحررنا من كل المستبدين
والمستعمرين والأعداء المُفترضين .. فمن يا ترى وراء تدمير وتخريب وحرق
الجبل الأخضر ؟؟ الذى سنُسأل عن تدميره وإفساده يوم نقف بين يدى الله وهنا
لآ استثنى أحداً عدواً كان أو صديقاً أو متآمرا أو جاسوساً حطّت به الرحال
صُدفة أو تكليفاً من جهات خارجية مُعادية .. فهل لديكم تفسير لحرق غابات
الجبل الأخضر ؟؟ أم أن الأمر سيكون طى الكتمان وعلى (المتضرر اللجوء إلى
القضاء وأن يُقدم الأدلة) كما تُردد هذه العبارة دائماً فى النيابات
والمحاكم التى لا زالت خارج نطاق التغطية فى دولة اللاشرطة وألا جيش وألا
شرطة زراعية وفى زمن ألا ضمير أولاً وأخيراً..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق