الطبقية التى صنعها المتنفذون الكبار
فى طريقها إلينا
مهندس / فتح الله سرقيوه
ملاحظة :: هذه المقالة كنت قد كتبتها ونشرتها
فى 2009 م أيام النظام السابق ، حيث تذكرتها اليوم ونحن
نستقبل عيد الأضحى ورأيت أن انشرها مرة أخرى .
الأسبوع ما قبل العيد كنت فى طرابلس لأداء عمل خاص ولم
أنتهى منه ، حيث كنت أتوقع الإنتهاء منه يوم الثلاثاء الموافق 25 / 11 /2009 ، خرجت من الفندق صباحاً لأقوم بالتأكيد على
الحجز على طيران البراق وفعلاً أكدت ذلك ولا حظت وأنا فى مكتب الحجز إزدحاماً
بطريقة ملفتة للنظر ، سألت لماذا ؟ قال الجميع بصوت واحد ربما العيد يكون يوم
الخميس ، فقلت بعفوية يوم الخميس يوم الوقفة على جبل عرفه !! وسألت مرة أخرى هل
صدر قرار بذلك ؟ قال أحدهم (عندى منا بالطرابلسيه ) وهى عبارة عن التعجب والإستغراب
، يا خوى هؤلاء عودونا على إللى إيقولوه لازم إديروه وهذه موش أول مرة ، بينما
قالت لى( موظفة المكتب ) وهى تنظر إلى من بعيد ،، إنكان تريد أتعيّد عند أهلك يا
عمى حجّزك مؤكد ولا تغيره بعدين موش تلاقى مكان .
خرجت من شارع
هايتى حيث وكالات الحجز متجهاً نحو شارع أول سبتمبر وأنا أتمتم (كيف هاللخبطه) ؟
ومن المسؤول عنها ؟ المهم حاولت أن أقنع
نفسى بالقول المشهور من ليبيا يأتى الجديد
ولكنى لم اقتنع وقلت بصوت لا يخلو من الحسرة والألم (من الحكومة يأتى
الجديد ) فليبيا الغالية الطيبة العامرة بأهلها الطيبين لا يمكن أن يأتى منها مثل
هذه الأمور العجيبة .
أستميحكم عذراً
فهذا ليس الموضوع الذى أريد أن أتحدث عنه
ولكنه من ضمن المواضيع التى آلمت المواطن الليبى الذى تعود دائماً أن يحتفل بعيد
الأضحى فى أحضان أسرته وأهله وجيرانه وأبناء ليبيا جميعاً ومع المسلمين فى
العالمين العربى والإسلامى.
لقد قادتنى
الخطوات حتى تفاجأت وأنا فى مقهى الساحة المقابل للسرايا الحمراء فأطلقت السلام
كعادتى على بعض الجالسين ، وما هى إلا دقائق حتى جاءنى (النادل) يُلقى علىّ السلام
ويقول لى بكل إحترام وأدب (تفضل) .. طلبت قهوة عربية ناقصة سكر ، ثم توجهت بنظرى
إلى تلك القلعة العظيمة الشاهدة على تاريخ الإستعمار العثمانى ومراحلة المظلمة وقلت فى نفسى ، لقد كانت تلك العهود المتلاحقة
من العثمانيين والقرمانليين الطغاة يحكمون ليبيا بالحديد والنار ولم يُعرف عنهم
أنهم أجبروا الليبيين أن يصوموا على مزاج (مركز الإستشعار عن بعد ) أو أن يعيّدوا
الخميس وإلا الجمعة ، لأن هذه الأمور تركت لأهلها من أهل العلم والفقه وليس
الحكومة .
لقد شردت بذهنى فى
طرابلس الجميله وكيف كانت تتجهز بثيابها المطرزة فى الخمسينيات والستينيات وبداية
السبعينيات إستقبالاً لعيد الأضحى المبارك
، وكيف كانت الزوايا الصوفية عامرة بالأذكار والمدائح النبوية والقصائد الأندلسية
وهى تتجول فى شوارع و أزقة المدينة القديمة والعطور والحلوى والورود تتناثر فوق
رؤوس الجميع مثل المطر تقديراً وإحتراماً
وإجلالاً من أصحاب متاجر سوق (الترك) ودكاكين الحرفيين ، (والله يا زمن يا طرابلس )
لقد غابت بهجة العيد أو غيّبوها قصداً أو بغير قصد فهم من يتحمل وزر ذلك .
هنا ابدأ معكم ما
شد إنتباهى حقيقة ... وأنا جالس أشرب القهوة رأيت مشادة بين (النادل) المسؤول عن
تقديم الخدمات وبين أطفال (بنات وبنين) أعمارهم لا تتعدى الإثنى عشرة ، ملابسهم
مختلفة وكأنهم فى مدرسة خاصة ، فعندما أمعنت النظر شاهدت حافلة خاصة تقف بجوار
المقهى وهناك شخص أجنبى ربما يكون (أوروبى) فى العقد الخامس من عمره ويتضح من
مظهره العام أنه معلم حيث يحمل حقيبة وبعض الكتب ، وجميع الأطفال يلتفتون إليه
عندما يناديهم ، جميع الأطفال يتدحدثون اللغة الإنجليزية وليسوا أجانب ، فهم أطفال ليبيون وليسوا ككل الليبيين من
خلال مظهرهم العام ولباسهم المتطور الغالى الثمن وطريقتهم فى الحديث وتعاليهم على
المارة بعبارات غير لائقة وأسلوبهم فى التعامل مع (الشاب الذى يقدم الخدمات باللغة
الإنجليزية التى لايفهمها).
فجأة تجهم وجه ذلك
الشاب الذى يقدم الخدمات إليهم فى إنحاءة وخوف أحياناً ورجع وهو يحمل الطلبات ويتمتم
(هادى ثالث مرة) وكاد أن يقع وهو يمشى بخطوات متعثرة ، فما أن شاهدنى أنظر إليه
حتى قال لى (شفت يا أستاذ) أطفال يوجهون إلى الأوامر ويرفعون صوتهم على ويضحكون على بشئ من الإستخفاف وهذه ليست المرة
الأولى ... قلت له هل هم أجانب ؟؟ قال لا إنهم ليبيون ولكنهم يبدو أنهم أولاد
مسؤولين كبار أو أن آباؤهم يعملون فى السفارات أو فى شركات اجنبية .
أقول هنا وبصوت
يصل السماء لا ــ لا ـــ لا ـــ ليبيا للجميع فمن أعطاكم القدرة على أن
يكون أطفالكم فى مدارس خاصة بآلاف الدينارت تدفعونها شهرياً وأطفال الليبيين فى مدارس عامة ؟؟ !! ومن أين لكم الأموال بأن تدفعوا الآلاف للمدارس
الأجنبية لكى يتعلم أبناؤكم اللغات التى حُرم منها أبناء الليبيين يوماً ما ؟؟! ...
أقول للجميع ها هى الطبقية بدأت تطل برأسها علينا ومن منّ ، من أولئك الذين نهبوا ميزانياتنا وسمسروا فى
قوتنا وتقاضوا النسب المئوية ووضعوها فى بنوك سويسرا من أولئك الجهلة الذين تم
إيفادهم فى المكاتب الشعبية (السفارات) بالوساطة والمحسوبية من أبناء العمومة ومن الصفاقة
والبندارة حتى ينالون الرضا ويتم إيفادهم ، أو من أولئك الذين سيكشفهم الرقم
الوطنى لأنهم لا يعرفون الجد الرابع فى نسبهم إلى هذه الأرض الطيبة من العلوج الذين رمت بهم رياح البحر الأبيض
المتوسط فى غفلة من أبناء الوطن أيام العهود الإستعمارية الغابرة .
الحذر كل الحذر أيها المنحرفون ألم يكفيكم النهب
حتى تُجهزوا أطفالكم لمرحلة أخرى من النهب والتعالى على أبنائنا من أنتم ؟؟ وما هو تاريخكم؟؟ لتجعلون من أنفسكم صفوة مختارة تُميّزكم عن
الشعب الليبى ، ولكن هذه المرة ليست كغيرها من المرات تريدون أبنائكم فى الصفوف الأمامية بينما
تريدون الليبيين فى ذيل القائمة ينهشهم الفقر والمرض والجهل فإلى اين أنت ذاهب يا وطنى ؟؟!!!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق