السراج في طرابلس: هل تتعافى ليبيا؟
رأي القدس
في رحلة بحريّة من ميناء مدينة صفاقس التونسية وصل رئيس حكومة الوفاق
الليبية فايز السراج إلى العاصمة الليبية طرابلس مع أعضاء المجلس الرئاسي
الليبي محمّلاً، على الأغلب، بآمال أغلبية الليبيين الذين يرغبون في بلد
سعيد مستقر ومزدهر وآمن، يستكمل أحلامهم السابقة التي تجسدت في ثورة
شباط/فبراير 2011، بإنهاء حكم الاستبداد العبثيّ الذي ضيّع ثروات ليبيا
وحوّلها إلى مزرعة شخصية للزعيم الراحل معمر القذافي وعائلته، والتي حكمها
بمزيج من شعبوية الطغاة المصابين بجنون العظمة، وبشراستهم في قمع خصومهم
السياسيين.
تتسم رحلة السراج وبعض أعضاء المجلس الرئاسي بالشجاعة في اختيارها القدوم إلى العاصمة بدل البقاء في إحدى العواصم العربية أو الغربية، فبناء ليبيا الجديدة لا يمكن، بداية، أن يتمّ من خارجها، كما أن الذهاب إلى طرابلس، مزودا بموافقات أكثر من نصف أعضاء برلمان طبرق، المدينة التي طرحت حكومتها وبرلمانها نفسيهما بديلاً شرعيّاً عن حكومة وبرلمان طرابلس، هو أكبر من إشارة رمزية لرفض تقسيم البلاد إلى قسمين خاضعين لحكومتين وبرلمانين متحاربين، كما أنّه إعلان صريح من طبرق، حكومة وبرلمانا، بوصول الاستعصاء السياسيّ إلى مداه الأخير، وبضرورة العودة إلى حكومة وبرلمان موحد في عاصمة البلاد طرابلس وليس في أي مكان آخر من ليبيا.
غير أن الوصول إلى طرابلس أمر واستلام حكومة الوفاق الوطني للسلطات التنفيذية أمر آخر، فهذه الحكومة لا تستطيع أن ترتكز على شرعيتها الدولية، وعلى إرادة الليبيين الذين توصلوا إليها فحسب، بل تحتاج لاجتياز طريق أطول بكثير من رحلتها البحرية من تونس إلى ليبيا، والوصول إلى نهاية الخطّ، مع تمكنها من تسلّم السلطات العسكرية (والمالية والقانونية الخ…) دونه، كما يقول العرب، خرط القتاد!
فبين الإرادة الدولية الكبيرة في تسلّم حكومة الوفاق الوطني السلطة، ورغبات ممثلي الشعب الليبي في دولة «طبيعية» موحدة ومستقرة وقادرة على حفظ الأمن وتأمين مصالح العباد (وتكريس المنطق المدني في الحوكمة من خلال الانتخاب وآليات العمل الديمقراطي الحديث، وليس من خلال فوّهات البنادق والمدافع والطائرات «الغامضة» التي تطير وتقصف وتدمر)، عوائق مهمة تتمثل، باختصار في التالي:
النفوذ الإقليمي الذي ما زال يرفض التسوية الأممية ويحاول تخريبها عبر أدواته العسكرية، وهو ما شهدناه في الضغط الممارس من قوّات خليفة حفتر على أعضاء المجلس النيابي في طبرق لمنعهم من الموافقة على حكومة الوفاق، وما سبق ذلك من حملات عسكرية تستهدف مناطق خاضعة لسلطة حكومة طرابلس، بالتزامن مع هجمات لتنظيم «الدولة الإسلامية» على قوات الحكومة تلك أيضاً، ناهيك عن محاولات انكشفت لدولة عربية لشراء ذمّة المندوب الدولي السابق وانتهت بسفره للعمل بعقد مغر في أبو ظبي!
على المقلب الآخر للمعادلة الليبية نجد قوات عسكرية تتحكم بمناطق الغرب الليبي وهي، على الأغلب، مسؤولة عن أجواء التوتر الأمني الذي رافق دخول السرّاج ورفاقه إلى طرابلس، مما أدى إلى إقفال مطار معيتيقة ونقل الرحلات الجوية إلى مصراتة، وكذلك إلى دخول مسلحين إلى قناة «النبأ» التابعة لحكومة طرابلس الموازية واعتقال صحافيين منها.
وهناك بالطبع، تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي يسيطر على بعض المناطق في وسط ليبيا، ومنها سرت، والذي، بسببه قرّرت المنظومة الدولية (إضافة إلى قضية محاربة تهريب اللاجئين إلى أوروبا)، دعم حكومة الوفاق ومحاولة مدّها بأسباب الحياة.
تملك حكومة الوفاق الليبية نقاطا قوية لصالحها، أهمّها بالطبع، هي الرغبة الشعبية بالخروج من مستنقع الفوضى والاقتتال الأهلي، وكذلك الإرادة الدولية في وقف الفراغ السياسي والتدهور الأمني اللذين أدّيا إلى تمدد التطرّف وتأسيسه قواعد صلبة له في ليبيا، ولكنها، بالمقابل، لا تملك من أمرها شيئاً إذا لم تتمكن القوى العالمية الفاعلة من إقناع الأطراف الإقليميين المعنيين، والقوى العسكرية المحلية بقبول هذا الأمر، والذي لا بديل عنه سوى التدخّل العسكري الغربي الذي لاحت نذره في الأشهر القليلة الماضية.
بعض الراغبين في استمرار الحال الليبيّ على ما هو عليه، يجادلون في أن حكومة الوفاق ستقوم بطلب التدخل الغربيّ، وهو طرح يتجاهل أن استمرار الوضع الليبي هو دعوة مفتوحة دائمة لكلّ أشكال التدخّل واستنزاف ما تبقى من اجتماع بشريّ واقتصادي وسياسي ليبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق