النظام المصري والإرهاب: فساد أم تواطؤ؟
رأي القدس
Apr 20, 2017
لم يكن متوقّعا أبدا أن يعلن النظام المصري تحمّل مسؤوليات فشله الذريع
في حماية كنيستين كبريين من عمليتين انتحاريتين، فهذا أمر ليس من عادات
الأنظمة الاستبدادية. إعلان من هذا النوع كان سيؤدّي حكماً إلى تسليط
الأضواء على الخلل الهائل في الأجهزة الأمنيّة المصرية التي كانت قد اعتقلت
المنفذين سابقاً وكان لديها سجلات أمنية عنهما، كما تأكد أن السلطات
الكويتية سلّمت أحدهما للقاهرة التي قامت أجهزتها بإطلاقه، وقد تمكن أحد
المواقع الالكترونية، بأدوات بحثية بسيطة أن يوثق تاريخ الشخصين بالتفاصيل
وعلاقتهما بتنظيم «الدولة الإسلامية» وتنقلاتهما.
الاعتراف الصريح بالفشل كان سيوجّه الأنظار إلى احتمال أخطر منه وهو أن هذا التساهل من أجهزة الأمن كان مقصوداً لذاته وهو أمر سيفتح الباب لفكرة التواطؤ، ولا يحتاج الأمر غير عودة سريعة إلى التاريخ القريب إلى ما كشفته التحقيقات عام 2011 عن تورط وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بتفجير كنيسة القديسين باستخدام أحد المعتقلين من «الجماعات المتطرفة» ويدعى أحمد محمد خالد، وكان ذلك، بحسب وسائل الإعلام المصرية، لتخويف الأقباط وإخماد احتجاجاتهم وتخفيف انتقادات البابا شنودة للقيادة السياسية المصرية.
يتناظر ذلك مع تحليل يعزو الفشل إلى أن وزارة الداخلية وأجهزة الاستخبارات المدنية والعسكرية «مشغولة بمطاردة الصحافيين وحظر أموال جمعيات حقوق الإنسان وترتيب شؤون مرشحيها (وعملائها) للفوز في الانتخابات المتعددة، سواء كانت للبرلمان أو للنقابات، وتسريب التسجيلات ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وإرهاب تنظيمات المجتمع المدني والناشطين والمبدعين بملاحقة رواية أو برنامج تلفزيوني والقبض على الباحثين الأجانب ورمي جثثهم في الشوارع، ثم تلبيس القضية لأشخاص أبرياء، وتقاسم الغنائم الخ…».
غير أن التحليل الأخير الذي يحيل إلى انحطاط أجهزة النظام وفسادها المعمّم لا يزيح، بل يرجّح، فرضيّة التواطؤ المباشر مع الإرهاب، فقد جاءت العمليتان الإجراميتان بعد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما اعتبره النظام تفويضاً «شرعيّا» أمريكياً بـ»محاربة الإرهاب»، وليس مستغرباً من مخرجي أجهزة الأمن التي قامت بتعذيب الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، والتي تمكنت من إطلاق سراح وتبرئة مهندس تفجير كنيسة القديسين (والمتهم بقتل المتظاهرين خلال ثورة يناير)، حبيب العادلي، أن تفكر بتسهيل هجومين دمويين بهذا الحجم ضد الأقباط، معتقدين بأن هاتين العمليتين ستخلقان فزعاً في أوساط الغرب على مصير المسيحيين… وستصبّان، بالنتيجة، في تكريس دور السيسي عرّاباً أكبر لـ»مكافحة الإرهاب» مصريّاً وإقليميّا، وهي سلوكيات وسياسات سوداء تكرّرت في أكثر من بلد عربيّ وهناك إشارات كثيرة تدلّ عليها في ما نراه حاليّاً من أحداث.
من ذلك أن النظام المصريّ، وقبل أن تبرد دماء قتلى التفجيرين، استغلّ الحادثين الإرهابيين لتحقيق أهداف آنيّة انتهازية، وذلك بالهجوم على مؤسسة الأزهر وتقديم مشروع قرار لإلحاقها عمليّاً بباقي مؤسسات النظام الدينية كوزارة الأوقاف ومجلس الإفتاء، فحوّل الدفّة من المنفّذين (أو المعلنين عن التنفيذ)، من عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» (ومن خلفه أجهزة الأمن المتواطئة) إلى مؤسسة مدجّنة ومروّضة ولكنّها لا تدار بشكل مباشر من قبله، ومطلوب الأجهزة الأمنية بالتالي هو خنق هذا الحيز المتواضع الباقي من الاستقلال، والأهليّة، والاحترام الشعبي، والمهابة الدولية لتلك المؤسسة.
لم ينس النظام أيضاً خصمه السياسيّ المنكوب بالاعتقالات والملاحقات والقتل المبرمج، جماعة «الإخوان المسلمين»، فأضافها كالعادة على فاتورة منفّذي الإرهاب فاعتقل وقتل منها من اعتقل وقتل، بل إن أحد أنصاره الغيورين، سمير صبري، المحامي بمحكمتي النقض والدستورية العليا، أضاف على الطنبور وتراً، فقد قدم بلاغاً لنيابة أمن الدولة اتهم فيه وكيل مؤسسة الأزهر عباس شومان، بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وهو تمهيد من النظام وأنصاره لمحو الفاصل بين الإخوان، والأزهر، وعموم المسلمين، بحيث ترفع التهمة المخيفة كلّما احتاج النظام أو أجهزته أو أنصاره إلى تهشيم خصم أو احتلال منصب أو الغضب لمجرّد الاختلاف في الرأي.
… وينتهي الأمر بتحوّل المخبرين قضاة، والقضاة حكاماً وجلادين، وتتحوّل الوشاية لقانون والشعب كلّه لمتهم.
الاعتراف الصريح بالفشل كان سيوجّه الأنظار إلى احتمال أخطر منه وهو أن هذا التساهل من أجهزة الأمن كان مقصوداً لذاته وهو أمر سيفتح الباب لفكرة التواطؤ، ولا يحتاج الأمر غير عودة سريعة إلى التاريخ القريب إلى ما كشفته التحقيقات عام 2011 عن تورط وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بتفجير كنيسة القديسين باستخدام أحد المعتقلين من «الجماعات المتطرفة» ويدعى أحمد محمد خالد، وكان ذلك، بحسب وسائل الإعلام المصرية، لتخويف الأقباط وإخماد احتجاجاتهم وتخفيف انتقادات البابا شنودة للقيادة السياسية المصرية.
يتناظر ذلك مع تحليل يعزو الفشل إلى أن وزارة الداخلية وأجهزة الاستخبارات المدنية والعسكرية «مشغولة بمطاردة الصحافيين وحظر أموال جمعيات حقوق الإنسان وترتيب شؤون مرشحيها (وعملائها) للفوز في الانتخابات المتعددة، سواء كانت للبرلمان أو للنقابات، وتسريب التسجيلات ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وإرهاب تنظيمات المجتمع المدني والناشطين والمبدعين بملاحقة رواية أو برنامج تلفزيوني والقبض على الباحثين الأجانب ورمي جثثهم في الشوارع، ثم تلبيس القضية لأشخاص أبرياء، وتقاسم الغنائم الخ…».
غير أن التحليل الأخير الذي يحيل إلى انحطاط أجهزة النظام وفسادها المعمّم لا يزيح، بل يرجّح، فرضيّة التواطؤ المباشر مع الإرهاب، فقد جاءت العمليتان الإجراميتان بعد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما اعتبره النظام تفويضاً «شرعيّا» أمريكياً بـ»محاربة الإرهاب»، وليس مستغرباً من مخرجي أجهزة الأمن التي قامت بتعذيب الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، والتي تمكنت من إطلاق سراح وتبرئة مهندس تفجير كنيسة القديسين (والمتهم بقتل المتظاهرين خلال ثورة يناير)، حبيب العادلي، أن تفكر بتسهيل هجومين دمويين بهذا الحجم ضد الأقباط، معتقدين بأن هاتين العمليتين ستخلقان فزعاً في أوساط الغرب على مصير المسيحيين… وستصبّان، بالنتيجة، في تكريس دور السيسي عرّاباً أكبر لـ»مكافحة الإرهاب» مصريّاً وإقليميّا، وهي سلوكيات وسياسات سوداء تكرّرت في أكثر من بلد عربيّ وهناك إشارات كثيرة تدلّ عليها في ما نراه حاليّاً من أحداث.
من ذلك أن النظام المصريّ، وقبل أن تبرد دماء قتلى التفجيرين، استغلّ الحادثين الإرهابيين لتحقيق أهداف آنيّة انتهازية، وذلك بالهجوم على مؤسسة الأزهر وتقديم مشروع قرار لإلحاقها عمليّاً بباقي مؤسسات النظام الدينية كوزارة الأوقاف ومجلس الإفتاء، فحوّل الدفّة من المنفّذين (أو المعلنين عن التنفيذ)، من عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» (ومن خلفه أجهزة الأمن المتواطئة) إلى مؤسسة مدجّنة ومروّضة ولكنّها لا تدار بشكل مباشر من قبله، ومطلوب الأجهزة الأمنية بالتالي هو خنق هذا الحيز المتواضع الباقي من الاستقلال، والأهليّة، والاحترام الشعبي، والمهابة الدولية لتلك المؤسسة.
لم ينس النظام أيضاً خصمه السياسيّ المنكوب بالاعتقالات والملاحقات والقتل المبرمج، جماعة «الإخوان المسلمين»، فأضافها كالعادة على فاتورة منفّذي الإرهاب فاعتقل وقتل منها من اعتقل وقتل، بل إن أحد أنصاره الغيورين، سمير صبري، المحامي بمحكمتي النقض والدستورية العليا، أضاف على الطنبور وتراً، فقد قدم بلاغاً لنيابة أمن الدولة اتهم فيه وكيل مؤسسة الأزهر عباس شومان، بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وهو تمهيد من النظام وأنصاره لمحو الفاصل بين الإخوان، والأزهر، وعموم المسلمين، بحيث ترفع التهمة المخيفة كلّما احتاج النظام أو أجهزته أو أنصاره إلى تهشيم خصم أو احتلال منصب أو الغضب لمجرّد الاختلاف في الرأي.
… وينتهي الأمر بتحوّل المخبرين قضاة، والقضاة حكاماً وجلادين، وتتحوّل الوشاية لقانون والشعب كلّه لمتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق