الحكومة التوافقية القادمة والمثل القائل
(وزّع اللحم وأعرف وجوه الرجاله )
المهندس / فتح الله سرقيوه
من لا
يفهم فى حركة التاريخ وحركة المجتمع لآى شعب كان على وجه الأرض ، صعب عليه أن
يتزعّم أو يقود هذا الشعب ولو لفترة وجيزه ما لم يكن مُلماً بعادات وتقاليد هذا
الشعب المُتعارف عليها ويعرف معانيها وتفسيراتها ، ربما المثل الشعبى (وزّع
اللحم وأعرف وجوه الرجاله) من أهم الأمثلة الشعبيه الضاربة فى عمق تاريخنا الشعبى
والموروث الحضارى ولا يمكن أن نفصل بينه وبين ما يُعتقد أنه صحيح أو غير ذلك من
خلال ممارساته اليومية وعلاقاته مع بعضه فهذا المثل أردت أن أضعه كعنوان لمقالتى
هذه لعل البعض يدركون ما أعنيه بأن شعبنا إلى جانب موروثه الحضارى مرت به حقبة من
الزمن تجاوزت الأربعة عقود وعقدين فى زمن الملكية ، ترسّخت فيها الأنانية بأبشع
صورها من خلال ثقافة (أنا وبعدى الطوفان).
هذه الثقافة من الصعب أن ننسلخ منها
بسهولة لأنها كانت المرجعية السياسية فى تولى المناصب فى النظام السابق بالذات الموزعة
بطريقة (الحصص) أو القرعه ، فكل منطقة من مناطق ليبيا تعلم ان نصيبها سيكون
(أمانة كذا ، وزارة كذا ) حتى أن البعض إعتقد أن تلك المناصب موزعة بطريقة
مكانية وجهوية وقبلية ولا للأقليات نصيب فيها ولا للمدن المكروهة من النظام فى تلك
الفترة الزمانية حصة أو مكان ، وكل قبيلة كانت تعلم جيداً أن قرعتها فى الحكومة
العليا على مستوى طرابلس العاصمة أو حكومات المناطق ثابته حتى أن
البعض أصبح يعلن بأن تلك (الأمانة) الوزارة قرعتنا ولا يجوز لأحد أن يتعدى عليها
وكل من يُريد مصلحة من هذه الأمانة كما كانت تُسمى عليه بالإتصال والإستجداء
وتقديم الولاء والطاعة لتلك القبيلة والتقرب منها لكى يُنهى مصالحه الإدارية والمالية ،
حقيقة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها أو ينفيها أو يقول أنها لم تحصل فى زمن النظام
السابق .
وحتى لا
أبتعد كثيراً فقبائلنا فى فترة العهد الملكى لم تكن تطالب صراحة بتمثيلها فى
الحكومة أو مجالسها بل كانت تتفاخر فيما بينها أن لديها من أبنائها من يحملون
الشهادات وربما تلك الشهادت العلمية التى لم تصل إلى درجة الشهادات العليا فى تلك
الفترة بما يُسمون (التكنوقراط) كما فى أيامنا هذه ، ولكن الأربعة عقود فى فترة
النظام السابق جعلت من مجتمعنا شبه مُتفكك ومتناحر أحياناً بسبب ما كان يسمى
(السلطة الشعبيه) الموجهة من قبل النظام نفسه والذى يملك مفاتيحها ويديرها من خلال
البعض من أتباعه ، وكم من مشاكل وصلت إلى درجة التقاتل بين أبناء المدينة
الواحدة والقبيلة الواحدة والقرية الواحدة بسبب ما كان يسمى التصعيد .
ولو
تذكرتم معى وخصوصاً فى المنطقة الشرقيه كيف كانت توزع المناصب الحكومية وبطريقة
المثل الشعبى (وزّع اللحم وأعرف وجوه الرجاله) حيث تحوّلت الميزانيات المحدودة وهى
من بقايا الأموال التى لا تفى بحاجة أى مدينة أو قرية لتأسيس مشاريع عامة ، وهو ما
جعل هذه الأموال تختفى وتضيع فى إطار الخلافات المحلية وما يصاحبها من رشاوى
وعمولات.
حدثنى أحد
ممن كان لهم دوراً فى تلك الفترة فى توزيع المهام والمناصب لفك الإرتباط والنزاعات
بين القبائل .. فقال .. فى إحدى إجتماعات توزيع المناصب يوماً ما قال أحدهم (نريد
البقرة وراعيها) فتوقف الجميع عن الكلام ينظرون إلى بعضهم البعض ومن خلال هذه
الدهشة .. قال لا تندهشوا فإن البقرة (منصب المالية) وراعيها (الرقابة الإدارية)
وعندما إستغول أحدهم بقوة قبيلته مطالباً بأكثر من منصب يرد عليه البعض من
الحاضرين (أشرب ومد القدح) أى خذ نصيبك وأترك لغيرك نصيبهم … هذا قليل من كثير ولم
ولن نرضى للعهد الجديد أن يجعل من المحاصصة أو المثل عنوان مقالتى مرجعية فى
إختيار الحكومة القادمة ، لتفادى التجاوزات
ونهب المال العام وتكرار أخطاء الماضى .
ولذلك لنبدأ الآن من تجهيز شبابنا الواعى المثقف
ممن شاركوا حقيقة فى إنتفاضة فبراير من الأطباء والمهندسين والإقتصاديين والمثقفين
وغيرهم ولا أريد أقول ثوار وما شابه ذلك لأنه يجرنا إلى الكثير من الأمور لا داعى للخوض فيها ، المهم أن يكون الشباب ممن لا تتجاوز أعمارهم الأربعة عقود وهم الذين بدأوا حياتهم أطفالاً فى ظل
النظام السابق وعاشوا شبابهم فى ظل
أسر متوسطة الحياة المادية وذاقوا العازة والحاجة ، هم أولى من غيرهم بقيادة هذا
الوطن وأن نتابع من يدرسون فى الخارج متابعة جيدة والبحث عن المتفوقين منهم لكى يتم
تسليمهم المهام بمجرد إنتهاء الفترة الإنتقالية عندما يكونوا جاهزين لذلك وأعلموا
أنهم سيكونون أحرص من أى كان على مستقبل الوطن وعلى مستقبلهم ولن يكون يومها للمثل
(وزع اللحم وأعرف وجوه الرجاله ) قيمة إعتبارية لأن كل أبناء الوطن رجال وتريس بمعنى
الكلمة…فهل سنرى ما يفاجئنا ويسرنا من إجراءات من قبل حكومة التوافق القادمة أم أن
الأمر سيكون كما هو وكما يُقال فى جلسات المحاكم (ييقى الوضع على ما هوعليه وعلى
المتضرر اللجوء للقضاء ) إذا كان هناك قضاء حقاً ..!! والله من وراء القصد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق